حاورها: أ. محمد محبوب عالم*
لمناقشة موضوع أدب الطفل بشكل عام وواقع أدب الطفل في قطر بشكل خاص معنا الكاتبة والشاعرة الدكتورة حصة العوضي المنتمية إلى دولة قطر. حصلت على درجة الدكتوراه في تخصص إعلام وثقافة الطفل عن دراستها “المضامين التربوية في بعض قصص القرآن الكريم للأطفال” من جامعة عين شمس بالقاهرة، حيث حصلت من الجامعة ذاتها على شهادة الماجستير في نفس التخصص.
عملت في الإذاعة والتلفزيون في قطر، وشغلت خلال مسيرتها العملية العديد من المناصب منها: رئيسة قسم برامج الأسرة والطفل بتلفزيون قطر، ورئيسة قسم البرامج العلمية بالقناة الثانية بتلفزيون قطر.
إن مسيرتها حافلة بالإبداع والإنتاج الأدبي في العديد من المجالات مثل القصة القصيرة والشعر والدراسات وكتب الأطفال وغيرها. فقد صدرت لها عديد من المجموعات القصصية والشعرية للأطفال، وسلاسل القصص الموجهة للفئات العمرية المختلفة للأطفال، ورواية “غزلان” للأطفال. وفي مجال الدراسات صدر لها كتاب “المضامين التربوية في بعض قصص القرآن الكريم للأطفال (دراسة تحليلية)”.
شاركت في إعداد الكثير من البرامج الإذاعية والتلفزيونية للأطفال، وفي تأليف عدد من المسلسلات الإذاعية. كما ساهمت في تحرير مجلة حمد وسحر، ومجلة مشاعل للأطفال، إلى جانب الكتابة في الصحف والمجلات القطرية وغيرها. وفازت بالعديد من الجوائز في مجالات الكتابة والإبداع. وترجمت أعمالها الأدبية إلى لغات مختلفة. إنها حصلت خلال مسيرتها الأدبية على عضوية العديد من المراكز المهتمة بثقافة الطفل. ولها مشاركة فعالة في المهرجانات والأنشطة الإعلامية الخاصة بالطفل والثقافة، والندوات والمؤتمرات الوطنية والدولية.
كيف ومتى بدأت تجربتك في الكتابة الأدبية للأطفال؟
تجربتي الأدبية الأولى في الكتابة للأطفال بدأت في سن مبكرة، في بداية مرحلة الدراسة الثانوية، حيث تم اختياري للإعداد والتقديم في برامج الأطفال في إذاعة قطر، ومن هناك أعددت البرامج وكتبت ما يقارب الخمسين أنشودة للطفل، تم تلحينها وأداؤها وإذاعتها ببرامج الأطفال لفترة زمنية طويلة.
هذه التجربة امتدت من الإعلام المسموع إلى الإعلام المرئي بمجرد تخرجي من الجامعة، حيث عملت كمسؤولة لبرامج الأطفال في تلفزيون قطر، مما أضاف لي المزيد من الخبرة الإعلامية بالصوت والصورة، فبدأت كتابة قصص الأطفال المصورة للتلفاز، بالإضافة للبرامج التربوية الهادفة، وبعض المسلسلات الاجتماعية والتعليمية.. ثم بدأت الكتابة الصحفية لمجلة الأطفال الوحيدة حينذاك حمد وسحر، ثم مجلة مشاعل، واللتان بقيتا لفترة قصيرة محددة وتوقفتا بعدها.
حصلت على شهادة الدكتوراه في أدب الطفولة في القاهرة، فكيف تنظرين إلى هذه الخطوة في سياق أدب الأطفال في قطر؟
ونظرًا لاهتمامي بهذا الجانب الأدبي فقط قررت الاستزادة من العلم والخبرة في هذا المجال، ليصبح تركيزي على أدب الطفل ليس مجرد هواية أشغل بها وقتي، بل ليكون هو دوري الأساسي في المجتمع القطري، بمحاولة تزويد المكتبة المحلية بقصص الأطفال الهادفة، والصادرة بعد مراحل طويلة من الدراسة والبحث، والتواصل مع الأجيال الجديدة من الأطفال.. فكانت رسالتي الماجستير والدكتوراه الناتج الأول لتلك الدراسة، ثم استزادتي من الخبرات السابقة والأكاديمية في مجال الكتابة للطفل في جميع المجالات، في الوقت الذي لم تكن هناك أسماء في هذه الساحة سواي.
ماذا عن موضوعات إصداراتك التي تعالجينها (في كتابتك للأطفال) قصةً وشعرًا؟
موضوعاتي معظمها مستمدة من البيئة التي يعيش فيها الطفل القطري، تهدف إلى الإجابة على بعض أسئلة الطفل الصعبة، وسرد بعض المواقف الواقعية التي أراها من حولي، في موضوعات هادفة، وتعليمية، ومرشدة إلى نشأة الطفل على القيم والمبادئ الإسلامية والأعراف والعادات الجميلة والدينية في المجتمع القطري والخليجي أولا ثم المجتمعات العربية المختلفة.
وبالنسبة للشعر، فقد بدأت فيه مبكرا، بالأناشيد التعليمية، والتعريف ببعض مجالات التراث القطري، والعادات الكريمة، ثم المجال التوجيهي والإرشادي في معظم مجالات الحياة.
كيف تنظرين إلى واقع أدب الأطفال في دولة قطر؟
أدب الطفل في قطر لا يزال جدبًا، حيث لا توجد سوى بضعة أقلام تعد على أصابع اليد الواحدة، بعضها يبشر بمستويات علمية راقية، والأخرى بحاجة للإرشاد والتوجيه، وخاصة أنها لا تعتمد على أسس الكتابة للطفل العلمية والأدبية..
ولا أنسى أن بعض الإصدارات في أدب الطفل المحلي، حاز على جائزة الدولة لأدب الطفل في بعض المواسم.
ما مدى أهمية دور الأدب لرفع مستوى الطفل الفكري والأدبي؟
دور الأدب فعال جدًا في بث القيم والمعتقدات الدينية والاجتماعية والعلمية، والتعليمية والبيئية وغيرها من المجالات التي يجب أن يتعرف إليها الطفل في مراحل عمره المختلفة، فكما ينجذب الطفل إلى الموسيقى والأناشيد التي تردد من خلالها، كذلك هو يهتم بالقصص والحكايات المفيدة، والتي يقرؤها بنفسه أو تقرأ له، ولا ننسى أن معظم شعوب العالم بدأت منذ بدء الخليقة تتعاطى الحكايات والسرد القصصي في معظم التجمعات والبيئات، وكانت تلك الوسيلة ـولا تزالـ الأسلوب الغير مباشر في التعليم والتوجيه والتربية، ونقل تجارب الآخرين وسيرهم ومجتمعاتهم من بيئة لأخرى، والتي كانت من أهم الوسائل القديمة لنقل ثقافة الأمم من أمة لأخرى، ومن مجتمع لآخر، مما جعل العالم شبه كتاب متنقل يحمل كل سمات الأمم وتواريخها وجغرافيتها، وتقاليدها، وإرثها الثقافي والاجتماعي إلى العالم أجمع.
ما هي الجوائز القطرية التي يتم منحها في مجال أدب الأطفال؟
ولا ننسى هنا دور الترجمة التي نقلت حكايات وأساطير الشعوب من حقبة زمنية لأخرى، لتصبح متوافرة بين أيدي الصغار والكبار بمعظم اللغات السائدة في العالم، وحيث تم تحويل الكثير منها إلى مسلسلات تلفزيونية وأفلام سينمائية، عرضت في كل مكان وبمعظم اللغات العالمية، مثل رحلات السندباد وعلاء الدين وعلي بابا والمنقولة من الكتاب التراثي “ألف ليلة وليلة”، وغيره من حكايات الشعوب وأساطيرها المختلفة.
كيف تنظرين إلى دور الجوائز والتكريم في الارتقاء بأدب الطفل؟
المبدعون والفنانون، كلما وجدوا الدافع والحافز لإبداع الأفضل والأحدث، فسوف يتسابقون في منافسة ثقافية عالية المستوى، لتخرج للطفل العربي خصوصا، والعالمي عموما، المزيد من الكتب الراقية بفكر الطفل وفكر الجماهير قاطبة، والتي تثري المكتبات العربية والعالمية بحكايات وإبداعات قيمة في معظم فنون الأدب من قصة وشعر ومسرح ورواية وغيرها. وهناك العديد من الجوائز المقدمة في مجال أدب الطفل، في الأردن وتونس، والشارقة وغيرها مما لا يحضرني الآن، وكل تلك الجوائز هدفها الأول إثراء المكتبة العربية بمؤلفات الطفل، ثم تشجيع وتحفيز المبدعين للمشاركة والدخول في معترك المنافسات، وخاصة أن تلك المنافسات تميز بين المواد الصالحة للنشر والقراءة، بمعايير معينة، وتستبعد ما يقل عن تلك المواصفات والمعايير، مما يدفع هؤلاء المبدعين لمحاولة الاستزادة من المعلومات والخبرات في هذا المجال، وهذا يخلق أجيالاً جديدةً متطورة عاما بعد آخر، تبقى أرصدة مهمة في مجال أدب الطفل في كل مكان.
ما هو واقع ترجمة أعمال أدب الطفل من وإلى اللغة العربية في قطر، فهل يوجد هناك اهتمام ملحوظ مِنْ قِبَل الحكومة أو دور النشر الخاصة؟
في قطر، أنشأت أول جائزة عربية لأدب الأطفال في البلاد عام 2006م، والتي رصدت لها جوائز مالية قيمة، تمنح لفائز واحد في معظم مجالات أدب الأطفال مع ميدالية ذهبية. ولا تزال هذه الجائزة مستمرة.
كما أنشأت (كتارا) وهي المؤسسة الخاصة بالحي الثقافي، العديد من الجوائز القيمة في معظم المجلات الأدبية، ومنها الرواية الخاصة بالناشئة.. وهي تستقطب الكثير من المبدعين العرب على امتداد الكرة الأرضية سنويًا.
منذ أن بدأت كتب الأطفال بالانتشار في الوطن العربي، كانت تعتمد على الترجمة من اللغات الأجنبية الأخرى، وتلك القصص والحكايات لا تزال تنتقل بين أيدي الصغار من جيل لآخر، وحين بدأ المبدعون العرب يهتمون بهذا المجال، أصبحت إنتاجاتهم هي التي تصدر للعالم، وبلغاتهم الوطنية.. مما أدى إلى تعرف تلك الشعوب لثقافات الدول المصدرة لتلك الحكايات..
لا يتم ترجمة كل قصص الأطفال طبعًا إلى اللغات الأجنبية، بل ما يحصل على استحسان وآراء النقاد والمهتمين، وأيضًا الأعمال الحاصلة على جوائز محلية أو من مكان آخر..
في قطر يوجد نقص كبير في الترجمة من وإلى اللغات الأخرى لمعظم مجالات الأدب، وليس أدب الأطفال فقط، وذلك ناتج عن قلة الموارد البشرية التي يمكنها القيام بتلك الترجمة. وأحيانًا أثناء المواسم الثقافية في كل مكان، يتم التعارف وتبادل المؤلفات بين المبدعين، مما يساهم في ترجمة بعض المؤلفات إلى لغات أخرى، كالفرنسية والإسبانية، والروسية، وغيرها، وهي أعداد قليلة جدا من مجموع الإنتاج الأدبي والثقافي في البلاد.
أين موقع المرأة القطرية في أدب الطفل اليوم؟
المرأة القطرية في مجال أدب الطفل، تتصدر القائمة القصيرة، والفقيرة، نسبة لما يخرج من دور النشر المحلية، من مطبوعات أدبية، فالأسماء التي تصدرت جائزة الدولة لأدب الطفل في قطر مرتين، كانتا من نصيب كاتبتين قطريتين، وليس هناك من مؤلفات يشار إليها بالبنان للذكور اللهم إلا بعض الأسماء التي لا يمكن تجاهلها، وإنتاجها مقل بعض الشيء نسبة إلى إنتاجات المرأة وإصداراتها.
حدثينا عن إصداراتك الأخيرة؟
في الفترة الأخيرة، أصدرت عددا من المطبوعات للطفل، من بينها بحث تربوي في (المضامين التربوية في بعض قصص القرآن للأطفال) وروايتان للناشئة، “غزلان” ترجمت إلى اللغتين الفارسية والمليالمية، والأخرى “أنا زينب” نشرت حديثًا جدًا، ولم يتم طرحها في الأسواق بعد، ثم عدد من قصص الأطفال، والتي تكفلت بطباعتها على نفقتي الخاصة، وكذلك كتاب شعر “أنشودتي 5″، هذا عدا تلك القصص التي لا تزال في المطبعة وقيد الرسم أيضًا.
يتم نشر العمود الأسبوعي لك في صحيفة “الراية” القطرية، ما هي القضايا التي تسعين لطرحها؟
مقالتي الأسبوعية تهتم بالجوانب الاجتماعية والتربوية في المجتمع، والذي يكون الطفل المحور الرئيس فيها، وكذلك بعض المنعطفات حول كل ما له علاقة مباشرة بالكتابة والقراءة في أدب الأطفال، وتشجيع الأطفال على تنمية مواهبهم في الكتابة والتأليف، وغيرها من المجالات التي تعنى بعلاقة الطفل بالمجتمع والمدرسة والمكتبة.
نلاحظ أن الجهود المبذولة في صحافة الأطفال (في قطر) لا تزال ضئيلة إذا ما قورنت بغيرها، ما السبب؟
هذه حقيقة واقعة، لا يمكن إنكارها، فمجلات الأطفال تصدر عن جهات خاصة، بجهود شخصية لفترة زمنية بسيطة، ثم تتوقف فجأة لعوامل عدة، منها التمويل، ومنها ندرة الكفاءات البشرية العاملة في هذا المجال، ونقص التمويل. وقد صدرت عدد من المجلات التي توقفت بعد أعداد قليلة لهذه الأسباب، مثل (راشد ونورة) و(عيالنا) وحاليا تقف مجلة (جاسم) وحيدة في هذا المضمار الذي لا يجد كفايته من الأقلام الجيدة، والتمويل المادي، والكفاءات القادرة على ولوج هذا المضمار بكل ثقة واستمرار، وعطاء.
وهناك واقع آخر، حيث انصرف الأبناء في العصر الحالي، من الكتاب والمجلة الورقية، إلى الوسائل التكنولوجية، التي تسهّل لهم الدخول إليها بضغطة زر، لتفتح لهم بوابات الآفاق الثقافية والعلمية في مختلف المجالات.
كما أن الإقبال على اهتمام أولياء الأمور بتعليم أبنائهم اللغات الأجنبية كالإنجليزية والفرنسية، منذ بداية العام الأول للروضة والمراحل التالية، دون مراعاة لتقديم اللغة العربية كلغة أولى لهؤلاء الأبناء، مما يجعل معظم أبناء الأجيال القادمة، غير ملمين بلغتهم العربية، وهذا ما يدفع الأبناء إلى تجاهل المطبوعات العربية بكل أنواعها.. مشكلة كبرى لا يعيها الآباء، رغم المحاولات المتعددة لتوضيح تلك المشكلة في المؤتمرات والندوات الخاصة باللغة العربية وغيرها.
وأخيرًا أتقدم بجزيل الشكر والعرفان إليك على منح هذه الفرصة لمناقشة بعض الأمور الأدبية وخاصة أدب الطفل في دولة قطر.
*باحث، جامعة جواهر لال نهرو، نيو دلهي، الهند.