حاورها: محمد شمشاد عالم القاسمي*
في هذا اللقاء معنا الكاتبة بسمة الخاطري من أبرز كتاب أدب الأطفال في سلطنة عمان، بدأت الكتابة منذ أن كانت على مقاعد الدراسة، وفازت بمراكز متقدمة في مسابقات سلاسل القصص التي كانت تنظّمها وزارة التربية والتعليم في عمان، وتتميز كتاباتها وخاصة إنتاجاتها القصصية للأطفال بأسلوب تربوي ممتع مشوِّق تحاول الكاتبة من خلاله تقديم المعلومات والأفكار والتوجيهات والسلوكيات إلى الأطفال.
تُعد بسمة الخاطري من أغرز الكاتبات إنتاجًا في عمان، فصدرت أول سلسلة لها عام 2007م، وفي السنوات الأخيرة قد اهتمت بقصص الأطفال اهتماما بالغا، فصدرت لها سلاسل ومجموعات قصصية عديدة موجهة للأطفال، يبلغ عدد قصصها للأطفال أكثر من مئة، ومنها: سلسلة “لبيب ولبيبة والأسرة السعيدة” (أربعة أجزاء)، وسلسلة “رحلة أحمد في أسبوع” (ستة أجزاء)، وسلسلة “عجائب الحواس” (خمسة أجزاء)، وسلسلة “مِن حقي” (ثمانية أجزاء)، وسلسلة “فقه وآداب الأطفال” (عشرة أجزاء)، وسلسلة “تعالوا نحيا”، وسلسلة “عالم الأدوات العجيب” (30 قصة)، وغيرها. كما تُرجمت بعض إنتاجاتها القصصية إلى عدة لغات عالمية.
ترأست الكاتبة تحرير ثلاث مجلات للأطفال: هي “حكايات” و”أيوب” و”بيئتي”، فتولت أمانة تحرير مجلتَي “أيوب” و”حكايات” الصادرتين عن “مركز العيسري”، بمسقط، ثم إدارة تحرير مجلة “بيئتي”، بالكويت. وتتمتع بعضوية في شتى المشاريع، فهي عضو في مشروع وقاية الشباب من الأمراض المنقولة جنسيًا والإيدز، التابع للاتحاد العالمي للجمعيات الطبية الإسلامية، بالأردن، وعضو في مشروع الكتاب الملموس، التابع لجمعية مزايا للمكفوفين، بمصر، كما هي عضو في مشروع تنمية وترشيد العقليات البشرية، بالمغرب.
س: متى بدأت الكتابة للأطفال؟
ج. بدأت الكتابة منذ أن كنت على مقاعد الدراسة، حيث كنت أكتب بعض المقالات في الصحف والمجلات، ثم تخصصت للكتابة للطفل بعد أن صار تعاملي مع الطفل بشكل مباشر بحكم عملي كمعلمة.
س: كيف بدأت تجربتك بالنشر في أدب الطفل؟
ج. أول تجربة لي بالنشر كانت مع وزارة التربية والتعليم، حين قدمت لها أول سلسلة قصصية تتألف من 6 أجزاء، وكانت بعنوان “رحلة أحمد في أسبوع”، حيث شاركت بها في مسابقة القصص الداعمة للمنهاج، وفازت بمركز متقدم، ثم طبعت ووزعت على مدارس السلطنة، فقد كان محتوى السلسلة يخدم وحدة الضوء والألوان في منهاج العلوم للصف الثاني الأساسي، وبعد هذه التجربة بدأت أفكر بالنشر في دور نشر عربية.
س: ما هو أدب الأطفال في رأيك؟ هل هو ما يعالج قضايا الأطفال أو ما يكتبه الأطفال أنفسهم أو كل نص موجه للأطفال؟
ج. هو كل ما ينتجه العقل المبدع من كلمات وألعاب وألحان وإيحاءات، تخاطب عقل الطفل بلغة يفهمها، وتحترم مخيلته، وتحتوي على قيم تربوية وسلوكية وأخلاقية وإنسانية، بغض النظر عن طبيعة هذا العقل المبدع الذي ينتج هذه المجموعة من الأدوات والفنون، وإنما ما يهمنا هو المستهدف، قد يكون المنتج كبيرًا أو صغيرًا، ذكرًا أو أنثى، كل هذا إذا خاطب الطفل فإنه ينتمي إلى أدب الطفل، والذي هو أحد فروع ثقافة الطفل.
س: ما هي الموضوعات التي تفضلينها أكثر من غيرها في كتاباتك للأطفال؟
ج. لقد كتبت بجميع الموضوعات دون استثناء، سواء كانت موضوعات تعليمية أو دينية أو تربوية أو علمية أو تاريخية، أو غيرها، حيث إن أديب الأطفال يمكنه أن يكتب بمختلف الموضوعات والمجالات.
إلا أنني أجد نفسي أميل إلى الكتابة في الموضوعات التعليمية والعلمية أكثر من غيرها؛ لذلك فإنني أحب التخصص بهذا المجال، وهو مجال إنتاج الكتب التعليمية، وبشيء من التخصص فإنني أفضل العمل على كتابة الموسوعات العلمية، وقد عملت على بعضها مؤخرًا.
ومن وجهة نظري، فإنني أرى أن وجود شيء من التخصص في مجالات الكتابة المختلفة للطفل أمر جيد، حتى نستطيع توفير المنتج الجيد والأصيل للطفل، وحيث أن وجود مختصين في مجالات الكتابة المختلفة للطفل ظاهرة صحية ومهمة أيضًا.
س: هل أثرت شخصيات في رحلة الكتابة للأطفال؟
ج. لا توجد شخصيات محددة، فالساحة العربية تزخر بالكُتاب المتميزين، وقد لا يسع المجال لذكرهم، وكل واحد منهم كانت له بصمته بمجال أدب الطفل.
س: هناك اتجاهات مختلفة في تزويد الأطفال بالقيم الأخلاقية منذ نعومة أظفارهم، فماذا ترين هل ينبغي توافرها في قصص الأطفال أم لا؟
ج. بكل تأكيد القيم شيء مهم، ولكنه ليس كل شيء في أدب الطفل، وهنا علينا أن نميز أن الطفل ما دون سبع سنوات غير قادر على تشرب القيم، وإنما في هذه المرحلة يكون خياله مطلقًا، فيجب علينا أن نغذي خياله بالمتعة والصور البصرية والكلمات الجميلة والألوان العذبة، وأيضًا نعرفه بالمحيط، وعلاقات الأشياء فيما بينها، بغض النظر عن القيم في تلك المرحلة، بل يقال مثلاً إن بعض القيم مثل الأنانية من الطبيعي أن يتحلى بها الطفل دون سبع سنوات، فلا يجب أن نعلمه قيمة العطاء مثلاً، ثم ينعكس على شخصيته مستقبلاً، وهناك أمثلة كثيرة على هذا النحو.
إذن القيم الأخلاقية بكل تأكيد مهمة ولكن علينا أن نعود إلى علم نفس الطفل لنعرف متى يجب أن نستخدمها، وكيف نستخدمها بطريقة غير مباشرة وغير منفرة تذهب إلى عقل الطفل ويتقبلها ببساطة دون إقحام أو إجبار.
ولكن القراءة بحد ذاتها هي قيمة، والخيال بحد ذاته هو قيمة، فبمجرد الكتابة للطفل فنحن وصلنا إلى قيمة، وأحيانا نضيف قيمًا تربوية وسلوكية فنكون زدنا على القيمة قيمة أخرى.
س: لاحظت في قصصك الأسلوبَ التربوي المشوق الذي تحاولين من خلاله تقديم المعلومات أو السلوكيات إلى القراء الصغار، فهل لأسلوبك علاقة بوجودك الدائم مع الطفل كمعلمة؟
ج. هذا صحيح، كوني معلمة أثر ذلك على أسلوبي وتوجهي للتخصص في كتابة القصة العلمية التعليمية للطفل، وكان يجب أن يكون لي طريقتي الخاصة في تعليم الأطفال، وكان علي أن أكتشف الطريقة المثلى بنفسي من خلال الأطفال أنفسهم، بشرط أن تكون هذه الطريقة مناسبة للجميع، ومن أول تجربة لي في استخدام القصة العلمية، اكتشفت طريقتي الخاصة! فلا يمكننا أن نمد الطفل بالمعلومات بشكل تقليدي في ظل ما نعيشه من ثورة تكنولوجية متسارعة، ونريد منه أن يصبح طفلاً عبقريًا، نحن نحتاجه أن يكتسب المعلومات وهو راغب فيها، متشوق لها، يطلبها، ويسعى إليها بنفسه، وهذا يجعل التعليم مثل أي لعبة تدخل البهجة إلى قلب الطفل، ولا تمثل أي ضغط عليه، وهنا أتذكر ما قاله “جلين دوما” مدير “معهد تحقيق الإمكانيات البشرية”: “التعلم هو أعظم مغامرة في الحياة، فهو مستحب ومهم ولا يمكننا تجنبه، ويجب أن يتعامل الطفل مع عملية التعلم بشكل ممتع، وأن نشبع رغبة الطفل النهمة في تعلم جميع الأشياء، والتي يجب أن يستوعبها بجميع أشكالها، وعلى وجه الخصوص باستخدام اللغة”.
ويولد الطفل بتريليون خلية معقدة وخيال غير متناه، وقدرة تحليلية تمكنه من التركيز بأدق التفاصيل، وامتلاكه لذاكرة لا حدود لها؛ لذلك على المعلم أن ينتبه؛ لأن كل ما يقدمه للطفل يزيد من حجم الروابط الداخلية بين خلايا المخ، وبالتالي فإن كم الزيادة في هذه الروابط يعتمد على كيفية تنشئة المخ ووسائل وأساليب تعليمه.
س: في ظل العولمة والتكنولوجيا الحديثة يبدو أن رغبة الأطفال القراء والمتلقين في الكتب والمواد الورقية تقل، ويفضلون الوسائل الإلكترونية، فما هي طرق تعزيز علاقاتهم بالكتب الورقية وتحقيق التوازن بينها وبين وسائل التعليم الإلكترونية؟
ج. فيما يتعلق بالتكنولوجيا، فإنني أراها ضرورة للتطور الحضاري، وبدلا أن نصرف الوقت لإجبار الطفل على القراءة الورقية، أنا برأي نصرف الوقت والأموال لجعل تلك التكنولوجيا غير مضرة للطفل، وتصبح وسيلة ناجعة ونافعة يستخدمها أدب الطفل بشكل حقيقي وفعلي، نحن لا يجب أن تكون معركتنا ما هي الوسيلة التي نصل بها إلى الطفل سواء ورقية أو تكنولوجيا، ولكن علينا أولًا أن نربح معركة الوصول إلى الطفل، ثانيًا ما هو المضمون الذي يقدم للطفل، وثالثًا هو التفكير بالوسيلة.
بكل تأكيد الكتاب له احترامه ومكانته، لكنني لا أجد أن التكنولوجيا خطر على الكتاب، وإنما هي ضرورة علينا أن نتأقلم معها ونتقبلها ونتفهم رغبة الطفل بالتعامل معها؛ لأنها وسيلة بصرية عصرية، ولكن علينا فقط أن نوائمها لتصبح وسيلة فعالة من وسائل أدب الطفل، وزرع القيم في وجدانه.
س: من المعروف أن الأطفال كالصفحة البيضاء، فكيف يمكن إثارة الفضولية وتطوير ملكة الابتكار لديهم؟
ج. حقيقة يستطيع الأديب أن يطور ملكات الطفل الإبداعية عندما يحاول أن يكون غير تقليدي، وعندما يحاول أن يقدم أفكارًا إبداعية وأفكارًا تقترب من خيال الطفل الذي هو خيال غير محدود وخيال ابتكاري إبداعي بالفطرة؛ لذلك نجد الطفل في عمر ثلاث إلى خمس سنوات يبدع أفكارًا غريبة ويعيش خيالات وأحلام قمة في الإبداع.
الكاتب الجيد يستطيع أن يكون طفلاً بخيالاته، وبالتالي تخرج الإبداعات الابتكارية في الأفكار تلقائية تشبه الطفل وتحلق معه في سماوات الإبداع، لهذا عندما نقدم له أفكارًا إبداعية نفتح أمامه آفاق الخيال، ويتوصل لأفكار أكثر عمقًا مما قدم له.
إذن تكمن أهمية ما يكتبه الكاتب هو أن يقدم خيالاً إبداعيًا يساعد الطفل على بناء شخصيته الإبداعية والابتكارية.
س: جل كتاباتك للأطفال ترتبط بفن النثر، فهل حاولت كتابة الشعر للأطفال؟
ج. هذا صحيح،أنا لم أكتب في شعر الأطفال، وجل كتاباتي نثر، وآمل أن تكون لي تجربة مستقبلاً إن شاء الله، حيث إن هذا اللون من الأدب له ما يميِّزه، من حب الأطفال له، وبالتالي يمكننا تقديم المعلومات أيضًا في صورة شعرية، من خلال الحكايات الشعرية التي تتسم بالوضوح والعمق والبساطة والتشويق.
س: أرجو منك تسليط الضوء على خبرتك في رئاسة تحرير المجلات للأطفال؟
ج. كانت تجربتي الأولى في تولي أمانة تحرير مجلتَيْ “أيوب” و”حكايات” الصادرتين عن مركز العيسري، بمسقط، وأنا أشكر كثيرًا الثقة التي تم منحي إياها من قِبَل الشيخ عبدالله العيسري المدير العام، ورئيس التحرير الاستاذ مُهنَّد العاقوص، فقد كانت تجربة ثرية جدًا، رغم أنها كانت محفوفة بالتحديات والصعوبات، ولكن كان عندي إيمان بأن أي عمل مميز يجب أن يواجه تحديات وصعوبات كثيرة، ولا يوجد شيء سهل أبدًا!، والتحديات كانت في الوقت، كنا نتسابق مع الزمن، فمن الضروري في المجلات تسليم النصوص في وقتها، لتدقيقها، وإرسالها للرسم، ثم التصميم، وموضوع الرسم هذا تحدي كبير جدًا، ولأننا كنا حريصين على إكساب المجلتين الهوية العمانية؛ لذلك كان علينا اختيار الرسامين بعناية، ونعود مجددًا للوقت، فأيضًا الرسام يجب أن يكون قادرًا على تسليم النص مرسومًا في الوقت المحدد له. ثم جاء اختياري لأكون مديرة تحرير مجلة “بيئتي” الصادرة عن دولة الكويت، وهي مجلة تُعنى بكل ما له علاقة بالبيئة، وكانت هذه التجربة أسهل بالنسبة لي، صرت أعرف الطريق جيدًا، وما يتطلبه العمل في المجلات.
س: ما رأيك في حركة أدب الطفل بشكل عام في عُمان؟
ج. هناك نقلة كبيرة في أدب الطفل في عمان، وكل يوم تشهد الساحة العمانية كاتبًا جديدًا في مجال أدب الطفل، هناك تنافس جميل، ورغبة في الاتجاه إلى هذا المجال، ولم يقصر المهتمون أيضًا بعمل الورش والقراءات للكبار والصغار، وما نحتاج إليه مستقبلاً هو مركز متخصص للدراسات في مجال أدب الطفل، ودار نشر متخصصة، ونحتاج أن ننتسب إلى مجلس كتب الأطفال واليافعين ليكون لنا دور عربيًا وعالميًا.
س: ما رأيك في كتابة القصص للأطفال بصورة أكثر متعة وفائدة؟
أن نفكر في طبيعة المرحلة التي نكتب لها، فكل مرحلة لها خصائصها الحركية والعقلية والبدنية والنفسية، ونحن نتعامل مع جسد معقد، يجب أن نفكر جيدًا، ماذا سنقدم له لنحسن وظائف مخه، ليحظى بمهارات فائقة، ويجب أن نقدم له القصة ذات الهدف والمغزى والقيمة والتي تنمي الفضول لدى الطفل وتدفعه إلى التعطش للمعرفة، وأذكر هنا أن العالم ليوناردوا دافنشي قال: “إن الفضول ساعد في تنمية عبقريته”… مثلًا: قصة عن قوس الألوان، يمكن أن تجعل يتساءل: ما هو قوس الألوان؟ ما سبب حدوث قوس الألوان؟، لماذا الماء مبلل؟، أين تذهب الشمس؟، ما هو الضوء؟ وهكذا…
س: نشرت مع عدد كبير من دور النشر؟ فكيف تتعاملين معهم وما هي نصيحتك لكاتب أدب الطفل حينما يرغب في التعامل مع دور النشر؟
ج. كل ما أقوم به بعد أن يصبح النص جاهزًا، إرساله لدار النشر عن طريق الإيميل مع السيرة الذاتية، موجه رسالة لهم عن طبيعة النص، والفئة العمرية الموجه لها، ثم انتظر الرد آخذة في عين الاعتبار إمكانية الرفض أو القبول، وهذا بالطبع راجع أحيانًا لاحتياجات الدار، وتوجهاتها، فهناك دور نشر تفضِّل القصة العلمية التعليمية، وبعضها تفضِّل القصص السلوكية، وأخرى تبحث عن الحكاية، وهكذا…، كما أن بعض دور النشر تتوجه للطفولة المبكرة، وأخرى لليافعين…، وهذه في الحقيقة ظاهرة صحية، فمن الجميل والضروري أن تتنوع التوجهات من قِبل دور النشر، حتى لا نقع في تكرار الموضوعات، حتى أن الكاتب الآن صار يعرف أين يوجه نصه، لأي دار نشر، وهذا بالتأكيد يأتي مع الخبرة، وعلى الكاتب أن يطرق الأبواب، ولا يظن أن مجرد رفض نص له، يعني أن النص سيء، فما تراه دار نشر أنه نص غير مناسب، قد تراه أخرى نصًا جميلاً، ويصبح من أهم كتب الدار، فليس بالضرورة أن تتشابه الآراء والأذواق، والمهم أن لا نيأس، ونؤمن بأن “القمة تتسع للجميع “.
في النهاية، أشكرك جزيل الشكر على إتاحة هذه الفرصة السعيدة لإجراء هذا الحوار الصحفي حول إبداعاتك وإنتاجاتك القيمة للأطفال، ووجهة نظرك تجاه أدب الأطفال وما يرتبط به.
* باحث هندي.