الدكتورة رحمة الله أوريسي*
ملخص البحث
تحاول المداخلة البحث عن صورة المرأة في القصة القصيرة النسائية السعودية؛ وفي مجموعة “رسائل متعثرة” القصصية لزكية محمد العتيبي، ومن ثمة تجيب الورقة عن الإشكالية الآتية: كيف تجلت صورة المرأة في الإبداع القصصي النسائي السعودي؟ وكيف صورت “زكية محمد العتيبي“ المرأة في مجموعتها؟ وما المواضيع التي تطرقت إليها الكاتبة في نصها “رسائل متعثرة” وكيف انتصرت لنفسها إبداعيًا على نظيرها الآخر/الرجل؟ ولكي أجيب على هذه التساؤلات اخترت المنهج الموضوعاتي لتتبع الموضوعات التي طرقتها الكاتبة في قصصها خاصة منها المتعلقة بصورة المرأة، كما سأستعين بعنصر التأويل الذي يدخل تحت إطار المقاربة السيميائية وذلك لمحاورة المجموعة وفك شيفراتها، والبوح بما تضمره داخلها من دلالات.
كلمات مفتاحية: زكية العتيبي، صورة المرأة، القصة القصيرة، الكتابة النسائية.
مقدمة
لطالما كانت وما زالت المرأة موضوعًا مهمًا ومثيرًا للجدل -في الإبداع الخليجي بعامة، والسعودي بصفة خاصة- بسبب اختلاف الرؤى والتصورات حول تناول صورتها وقضاياها عند معظم الكتاب والمبدعين. هذا الصراع الذي نشب منذ سنوات عدة بين الرجل والمرأة لم يبق على هذا الشكل خاصة بعد أن حملت المرأة السعودية مشعل الكتابة الإبداعية لتعبر عن نفسها متحدية في ذلك الآخر/الرجل، ظنا منها أنه لم ينصفها؛ فحاولت الدفاع عن حقوقها، ومناصرة نظيرتها المرأة من خلال الكتابة عن أهم القضايا الخاصة بها في جميع الأجناس الأدبية.
وقد حظيت القصة القصيرة باهتمام كبير من قبل المرأة السعودية، فبرزت كاتبات وجدن في هذا الجنس الأدبي القصير ملاذًا للتعبير عن ذواتهن، ومشاكلهن، ومن بين هؤلاء الكاتبات نجد الأكاديمية الكاتبة والقاصة “زكية محمد العتيبي” التي تمرست في هذا المسار الإبداعي واختارت القصة القصيرة والقصيرة جدًا للتعبير عن نفسها وغيرها؛ فخرجت -من خلال شخصيات قصصها- من عباءة المعتقدات القديمة وكذا الأعراف الصارمة التي كانت تقتل الصوت الأنثوي، وجسدت من خلال قصصها رؤى متنوعة حول المرأة كسرت من خلالها بعض السلطات، الأمر الذي خلق فجوة بين الواقع وما تطمح إليه، مما شكل صراعا فكريا بين الأنا والآخر[1]. ولعل هذا ما لمحناه في مجموعتها “رسائل متعثرة”[2] التي اخترناها نموذجًا للدراسة.
ولقد حاولت المرأة السعودية أن تثبت نفسها في مجتمع ذكوري قبائلي كان يرى في صوت الأنثى عارًا، ودخولها إلى عالم الإبداع ذنبًا لابد أن تحاسب عليه. ولطالما عاشت المرأة هذه المعاناة التي حرمت فيها من حق الكتابة والنشر، الأمر الذي ولّد داخلها صراعًا كبيرًا، وتحديًا أكبر خاصة وهي التي تتابع المشهد الثقافي العربي، وترى نظيرتها في الشق الآخر من المجتمع تمارس حقها في الكتابة دون أي عائق أو حاجز. لعل هذا ما دفع بها إلى العزم على إثبات نفسها في وسط ثقافي كان يحتل فيه الرجل الصدارة إبداعيا؛ فاختارت -في بداياتها- أن تتنكر بأسماء مستعارة، خوفا من المجتمع والقبيلة التي حاصرتها بشتى الطرق، القبيلة التي اعتبرت كل من تخرج عن إطار العادات والتقاليد امرأة مذنبة. وقد استمر الأمر على هذا الوضع فترة من الزمن، لتجد المرأة السعودية نفسها تحاكي واقعها والمجتمع المحيط بها، فسلطت الضوء على القضايا التي رأت بأن الرجل قد أغفلها، فكانت مواضيعها تقليدية في عمومها، خجولة، خائفة، مقيدة بأفكار القبيلة والحرمان، أو ربما كانت محتشمة إلى أن أشهرت سيفها في وجه الآخر/الرجل الذي كان يصورها في سرده على أنها ضعيفة ومنكسرة ولا تنفع إلاّ للأعمال المنزلية والإغراء؛ فخرجت المرأة السعودية من قمقمها، وتمردت على كل القيود، والحواجز التي تمنعها من الكتابة باسمها الحقيقي؛ كما تمردت على الأعراف البالية، بل حتى على السلطة الجمعية للكبار[3] مؤمنة بأن لها حقا في الكتابة والتعبير عن نفسها بنفسها.
وقد برزت أسماء عديدة في هذا المجال أمثال: أميمة الخميس، وبديرية البشر، ونورة الغامدي[4]، ومريم الغامدي، وشريفة الشملان، وفوزية جار الله، وخيرية السقاف، وحكيمة الحربي، وشيماء الشمري وغيرهن من الكاتبات اللاتي حملن مشعل الكتابة، وعبرن عن القضايا النسائية، وقضايا المجتمع من رؤية نسائية بحتة سواء أكان على مستوى السرد الروائي أم القصصي، بل هناك منهن من خلقت كتاباتها ضجة في عالم القصة والأدب، مثل الكاتبة بنت الجزيرة التي تناولت مواضيع رائعة، عبرت من خلالها عن كيفية استثمار الفنون في التعبير عن الواقع، كما حاولت التعبير عن بعض الأزمات، والمواقف النفسية والفكرية، من خلال حركة الواقع وتناولها لصورة المرأة[5] في قصصها. وتجدر الإشارة هنا بأن المرأة السعودية بعد الاعتراف بها في مجتمعها بدأت مرحلة جديدة مختلفة عن التي مرت بها في بداياتها؛ حيث أصبحت تكتب بجرأة فاقت -ربما- جرأة الرجل؛ ولعل السبب راجع إلى الكبت والحرمان الذي عانت منه على مر العصور.
وبالعودة إلى “زكية محمد العتيبي” يمكن القول بأنها تختلف عن غيرها؛ فهي من بين الكاتبات اللاتي صنعن لأنفسهن مسارًا إبداعيًا خاصًا، لا يمكن أن نقول عنه محتشمًا أو بسيطًا أو تقليديًا، كما لا يمكن القول بأنه متمرد وجريء؛ لأنها استطاعت أن تمسك العصا من المنتصف، لتكون وسطية بين كل كاتبات جيلها، فلم تكتب بلغة فاضحة كالكثيرات، ولا بلغة سهلة وسطحية، بل كانت تعرف جيدًا كيف توصل فكرتها، وتعبر عن القضايا الخاصة بالمرأة، فسايرت الحداثة سواء على مستوى الشكل/التقنية أم المضمون/معاصرة مجتمعها؛ ولعل الذي يشفع لها في صنع هذا المسار ربما هو دورها كأكاديمية، ومثقفة تعرف جيدًا كيف تبرز رؤيتها بالطرق الأنسب والأفضل، فقد استطاعت أن تراعي النخبة الأكاديمية المثقفة في إبداعها.
وقد عُرفت “زكية العتيبي” بالقصة القصيرة والقصيرة جدًا؛ فلها في رصيدها ثلاث مجموعات قصصية؛ “أنثى الغمام”[6]، و”رسائل متعثرة” و”هطول لا يجيء”[7]، وقد اخترنا المجموعة الثانية نموذجًا للدراسة لما فيها من مواضيع متعددة تمس الذات الأنثوية، فقد نقلت لنا الكاتبة المرأة في أثواب عدة، فبدأت بـ: المرأة المستلبة عاطفيًا في قصتها أو رسالتها الأولى الموسومة بـ”تشريني”[8] والمرأة المنكسرة في الرسالة الثالثة الموسومة بـ”أنثى العاصفة”[9]، والمرأة الخنوعة في الرسالة السادسة الموسومة بـ”قلب بين ضفتين”[10]، وفي قصة “ارتباك”[11] أيضًا إلى أن وصلت إلى المرأة الإيجابية، الفاعلة في الرسالة السابعة الموسومة بـ”براءة”[12] والتي حاولت القاصة من خلالها أن تخرج من جلباب المرأة الخانعة إلى المرأة الفاعلة التي سعت إلى الوقوف كسند فاعل مع زوجها المحبط الذي فقد وظيفته. في حين نجدها في قصة “رغبة”[13] فاعلة بطريقة معاكسة حيث إن زكية العتيبي صورت لنا المرأة -في هذه القصة- في كاملة قوتها من خلال الأحداث التي عرضت لنا فيها قدرة المرأة على خلع زوجها الذي كان يعيش في منزلها، ويتذمر منها معتقدا بأنها عاقر، لتخرج في الأخير عن صمتها، وتضحياتها التي لم يقدرها الزوج، فتختار حرية تناسبها لتزهر في مكان آخر. وحاولت القاصة أن تجسد لنا من خلال هذه المجموعة فلسفتها ورؤيتها حول المرأة وصراعاتها مع الآخر/الرجل الذي يمثل رؤية المجتمع الذكوري الذي يحيط بها فصورتها في أشكال عدة، متناولة مواضيع مختلفة، وكان ذلك بالتدرج؛ أي أنها جسدت لنا كيفية خروج هذه المرأة من شرنقة الاستلاب إلى فسحة الحرية، التي من خلالها استطاعت أن تقرر مصيرها بنفسها.
ولعل المتأمل لهذا التدرج في عرض القصص التي سنقف عند بعضها في هذه الدراسة بالتحليل سيجد أن “زكية العتيبي” استطاعت بذكاء أن تجعل مواضيعها تعبر بطريقة ما عن الواقع؛ حيث استثمرت الماضي والرؤى القديمة ودمجت بينها وبين الرؤى المعاصرة حتى على مستوى الشكل أيضًا؛ فقد استطاعت أن تزاوج بين جنسين أدبيين أيضًا تمثلا في “فن الرسائل” وهو فن قديم، و”فن القصة القصيرة” وهو فن حداثي؛ ولعل هذا من أكثر الأمور التي لفتت انتباهنا أيضًا إلى اكتشاف العالم الإبداعي للكاتبة؛ فالكتابة في الأخير تظل دوما “تحريض على الاكتشاف ما دامت هناك قيامة للعلاقة بين المرسل والمستقبل على أرضية النص”[14] على حد قول الدكتور مصطفى الضبع. وسنحاول دخول عالم “زكية العتيبي” والبحث عن تمظهرات المرأة وأشكالها في هذا المنجز القصصي من خلال مجموعتها “رسائل متعثرة” التي هي في الأصل سلسلة من الإحالات والرموز التي لا تنتهي عند نقطة بعينها[15] أو صورة واحدة للمرأة، بقدر ما هي جملة من التجارب المريرة التي عانتها المرأة، وجملة من الانتصارات التي حققتها لتنتشي بنفسها داخل عالم يشبهها من جهة، وجملة من الدلالات التي أضمرتها القاصة تحت كتلة من العلامات التي تفرض علينا أن نستعين بآليات منهجية لإيجاد التأويل المناسب لها من جهة ثالثة. وتناولت القاصة وجوها عدة لعينات ونماذج مختلفة تمثل صورة المرأة العربية عمومًا، والسعودية بصفة خاصة. فبين ذات مسلوبة الحقوق/ذات المرأة الراغبة في الموضوع/تحقيق الحرية/الانتصار على الآخر/القبيلة/المجتمع/الرجل، وبين ذات تصارع من أجل كسب الموضوع تبرز حقيقة صراع المرأة بين علاقة اتصال وانفصال؛ لأن هذه الرحلة بطبيعة الحال فيها الكثير من المعيقات التي تمنع المرأة من الوصول إلى مطلبها. فسنحاول تتبع صورة المرأة على مستويين؛ مستوى العناوين، ومستوى المتن، ومن ثمة سنبدأ بـ:
صورة المرأة على مستوى العناوين
تمتلك هذه المجموعة القصصية “رسائل متعثرة” حصانة ورمزية في بعض عناوينها فمن العنوان الرئيس الذي جعلت منه الكاتبة فاتحة رمزية/علامة، تنفتح على الكثير من التساؤلات من بينها: ما طبيعة هذه الرسائل؟ وما مضمونها؟ ولأي فئة موجهة؟ ومن المرسل إليه في هذا السياق؟ هل هو المتلقي/القارئ بغض النظر عن جنسيته أم هو المجتمع السعودي؟ وغيرها من الأسئلة التي تنسل من بعضها البعض.
تبدأ رحلة البحث عن الذات، وعن الكيان النسائي/المرأة التي ظلت تصارع تنكر الآخر/الرجل/المجتمع لها كفرد فاعل في المجتمع حتى تم الاعتراف بها وأثبتت نفسها، وقررت مصيرها بل وتفوقت على الرجل أيضًا في مجالات عدة. ولعل هذا ما أدركناه على مدار هذه المجموعة القصصية التي لا تبوح في ظاهرها بكل شيء؛ أي أن الكاتبة ركّزت في رسائلها على الرجل الذي مثل لازمة نصية في معظم قصصها؛ فكان الغائب الحاضر؛ أي أنه على الرغم من أنه غير فاعل في الأحداث إلاّ أنه كان الدافع القوي فيها وهو الذي أوصل المرأة إما إلى الانكسار أو الانتصار، إما كان سببا في قيدها أو دافعا لحريتها. فاستطاعت القاصة أن تحاكي الواقع، ولكنها أضمرت داخل قصصها جملة من الأحداث التي تمثل علامة عرفية، ذلك أن عرض الشيء في كثير من الأحيان هو إنكاره والكاتبة هنا طرح فكرة البحث عن الذات/المرأة/عن طبيعة وجودها وفاعليتها في المجتمع، وهي في الحقيقة تضمر إنكار المجتمع الذكوري لهذه الذات؛ لذلك نجدها في معظم القصص منكسرة غير حاملة لمقومات الحياة. فعلى الرغم من أن العناوين حاملة لمقومات الحياة والانتصار إلاّ أن المتن معاكس تماما لما ورد في عتبة العنوان. وعليه اهتمت “زكية العتيبي” بالعناوين في مجموعتها التي بدأت من العنوان الرئيس “رسائل متعثرة” التي يمكن اعتبارها أول عتبة مهمة وملهمة للقارئ، وأول فاتحة نصية يصطدم بها؛ لأنها ملفتة للانتباه من جهة، وموجهة من جهة أخرى، فالمتلقي يراهن من خلالها على استراتيجية كتابة المبدع، وعلى حسه وحدسه الإبداعي[16]؛ ليصبح العنوان العتبة الرئيسة التي يمكن من خلالها فهم الخطوط العريضة للعمل الإبداعي؛ فالقارئ في هذا المقام يعقد قرانه مع هذه النصوص المحاذية حتى يصل إلى الدلالة المنطقية التي ترضيه.
وقبل البدء في البحث عن علاقة العنوان الرئيس بالعناوين الأخرى وبموضوع المرأة تحديدًا يمكن القول أولاً بأن هذه الكاتبة قسّمت المجموعة إلى ثلاثة أقسام: -رسائل- قصص قصيرة- قصص قصيرة جدا؛ ولعل المتأمل لهذا التعدد والتنوع والتمازج بين”فن الرسائل” و”القصة” يمكنه القول بأن “زكية العتيبي” استطاعت أن تخرق لنا أفق التوقع منذ اللحظة الأولى؛ حيث أوهمتنا من العنوان بأن هذه المجموعة تندرج تحت فن الرسائل، في حين نجد أنها حاولت أن تشكل من جنسيين أدبيين نصًا مختلفًا يبدو في ظاهره بأنه رسالة، ولكنه في عمقه قصة بكل مقوماتها وفنياتها المعروفة؛ ولعل الذي جعل الكاتبة تختار هذه الطريقة هو إيمانها -ربما- المطلق بفكرة التماهي، والتداخل بين الأجناس الأدبية، حيث ترى أنه لا وجود لحدود فاصلة بين جميع الأجناس؛ ولعل هذا ما صرحت به في مقدمة المجموعة.
وقد قدمت الكاتبة تسع رسائل مشفرة ومعنونة في القسم الأول، وثماني قصص قصيرة في القسم الثاني، و14 قصة قصيرة جدًا في القسم الأخير. هذا فيما يتعلق بالشكل الخارجي للمجموعة. أما عن سلسلة العناوين التي حملت في جعبتها مواضيع أنثوية فيمكن القول بأن جملة العنوان الرئيس “رسائل متعثرة” فيها روح أنثوية؛ وكأن الكاتبة منذ الوهلة الأولى تنبؤنا بحالة هذه الأنثى التي حاولت أن تكون.. ولكنها تعثرت؛ فمفردة الرسالة مؤنثة الأمر الذي يجعلنا نعتقد بأن هذه المجموعة عن المرأة وموجهة لها؛ فمن المتعثر يا ترى؟ أهي المرأة حقا؟ لعل هذا ما برز بصورة خاصة في العناوين الفرعية لهذه المجموعة التي نذكر منها: “اعترافات متأخرة”[17] التي قد تحيلنا على شهرزاد والاعترافات الليلية التي تحيكها للملك شهريار، وكذا عنوان “أنثى العاصفة”[18] التي تحمل بين طياتها الغضب والثورة والقوة والتمرد، و”صباحات مسافرة”[19] التي قد تحيلنا على التأمل من جهة، والسفر البعيد الذي يرفع من روح هذه الأنثى ومن آفاق تأملاته من جهة أخرى، ولعل القاصة صاغت لنا كل هذه التأملات في الكاتبة الشهيرة سارة التي من فرط حبها وتعلقها بزوجها الذي فقدته فقدت عقلها معه، ففي هذه القصة تعيدنا الكاتبة لتأمل فلسفة الحب مرة أخرى، وتأمل الذات من جديد، وكيف يكون السفر ذا معنى فلسفي، كيف تكون الأنثى مخلصة حتى في الغياب/الموت. ومن السفر إلى “ابتسامة عطر”[20] التي قد تحيلنا على الإيجابية والتفاعل، و”قلب بين ضفتين”[21] التي تحيلنا من خلاله الكاتبة على التذبذب العاطفي الذي يجعل المرأة في المنتصف، ويسحب منها قوتها وقدرتها على الانتصار على الآخر/الرجل. ولدينا عناوين أخرى تحمل بين طياتها صورة واضحة عن المرأة مثل قصة “براءة”[22]، وقصة “كاتبة”[23] التي ربما تحيلنا من خلالها على صورة المرأة الكاتبة في مجتمعاتها والتي يعتقد معظمهم بأنها مجرد مريض نفسي، فالكاتبة كانت لديها الجرأة، والقوة لتواجه نفسها ككاتبة في هذه القصة فاشتقت من نفسها ذاتا ومنحتها جرأة الذهاب إلى طبيب نفسي، الطبيب الذي عادة ما يخشاه المجتمع العربي؛ خاصة ونحن نعيش في مجتمع يعتقد بأن كل من يزاول عيادة نفسية مجنون؛ والحقيقة غير ذلك، ولعل هذا ما أكده الطبيب حين فاجأ البطلة شجن فشخص المجتمع على أنه كيان مختل ومريض وليست الكاتبة شجن. تقول الكاتبة “الطبيب: أهذه شكواك يا شجن.
شجن: نعم.
الطبيب: هم المرضى لا أنت! عليك بعلاجهم قبل أن يتسسبوا في مرضك!” [24]
ومن الكتابة يأتي عنوان “نرجسية”[25] التي تعود من خلالها “زكية” بالمرأة من الانكسار إلى القوة والفاعلية، لتأتي بعناوين أخرى مثل: “سلطة”[26] و”رغبة”[27] و”أحزان صامتة”[28] و”مزاجية”[29] و”مراوغة”[30] وغيرها من العناوين التي تتراوح بين الانكسار والقوة،و بين الاستلاب والحرية.
ويمكن القول عموما بأن معظم هذه العناوين تحمل في عمقها طابعًا أنثويًا، وصياغةً مؤنثةً تجعلنا نقر بأن المرأة هي قضية الكاتبة الأهم؛ ولعل هذا الحضور يفرض بطبيعة الحال الآخر/الرجل؛ الذي كان سببا في تعثر هذه الأنثى؛ سواء أكان الأخ، أم الزوج، أم الأب، أم الحبيب، أم الصديق، أم المجتمع، فكل هذه المسميات تعبر عن المحيط الخاص بالمرأة سواء منها العربية أم السعودية. ومن ثمة لازم الرجل الكاتبة في معظم قصصها، بل ربما رسائلها كانت موجهة إليه؛ فالرسالة بطبيعة الحال تتطلب مرسلا ومرسلا إليه؛ ولعل الكاتبة في هذا المقام عنونت مجموعتها بــ”رسائل متعثرة” لتثير انتباه المتلقي/الرجل/المرسل إليه بطريقة غير مباشرة ليطلع على مطالبها وصراعاتها، ومشاكلها النفسية التي نسجتها في قالب قصصي موجع ومنكسر، ومتفائل في أحيان أخرى؛ فاختارت هذه الطريقة الذكية لتوجه رسالتها بصمت. وهنا تذكرنا زكية العتيبي بذكاء ودهاء شهرزاد، التي احتالت على الملك وأنقذت غيرها من الموت بالحكي؛ فهل زكية فعلا من خلال هذه الرسائل أوصلت حقا مطالبها ومطالب غيرها للآخر/الرجل/المجتمع/السلطة/القبيلة/العرف. لعل هذا ما سنجيب عنه في العنصر الثاني.
صورة المرأة في “رسائل متعثرة”
لقد استطاعت “زكية العتيبي” أن تنقلنا من عالمنا إلى عالمها الخاص الذي يحتضن المرأة بصفة خاصة؛ فنجدها قد ارتكزت في قصصها على ثنائيات عدة سنتعرض لها أثناء التحليل، ولعل أساسها المرأة والرجل؛ هذه الثنائية الأساسية التي خرجت من جعبتها باقي الثنائيات، هذه الثنائية التي توالدت مع مر العصور منذ بدء الخليقة، منذ آدم وحوار وخطيئة التفاح والغواية التي حملت الأنثى ذنبها من قبل الرجل دون ذنب؛ وهنا حاولت القاصة أن تعيد كينونة الذات الإنسانية؛ فحمّلت الآخر/الرجل كل الخطايا؛ فشكلت من خلال هذه المجموعة “رسائل متعثرة” جملة من الصراعات الاجتماعية من أجل أن تحقق الذات الأنثوية وجودها داخل نسيج من العلاقات الاجتماعية؛ فارتكزت الكاتبة على فلسفة الوجود؛ أي حقيقة وجود المرأة وفاعليتها في المجتمع؛ وحين نقول المجتمع؛ فنحن نقصد البيت، العمل.. إلخ، ولعل هذا تمظهر بصفة خاصة في الرسالة التاسعة المعنونة بـ”احتفال”[31] التي وجهتها المرأة إلى نفسها ظاهريا، في حين هي موجهة إلى المجتمع في عمقها؛ فالقصة في عمومها تحكي قصة شابة ثلاثينية ترسل إلى نفسها رسالة عن طريق موقع “فيو تشر مي” تصلها في ميلادها الستين لتذكر نفسها من جهة بطفولتها، وكيف كانت فال خير على عائلتها وبرها بوالدتها، ومن جهة أخرى تكتب مصيرًا مفترضًا لها في هذه الرسالة كأن يكون لها عائلة غير مبالية بها، تتنكر لها، وتهمشها ولا تعتني بها، في حين تأتي المفارقة حين تصورها الكاتبة في سن الستين مبتهجة محاطة بكل الحب والاهتمام من قبل أبنائها فأحفادها. تقول الكاتبة: “أرسلت لنفسها رسالة عن طريق موقع “فيو تشر مي” على أن تصلها في يوم ميلادها الستين كتبت: “بوسعي أن أكون بليدة هذا المساء تحديدا لن أعبأ لشيء؛ فأنا في النهاية الشخص المتبقى لي!كلهم ستختارهم طرقات الحياة يوما ما. ستنشطر اهتماماتهم. سيؤثثون لحياة قد أكون أنا فيها قطعة أثاث.. ربما مزهرية..! ربما ممسحة! وربما لا شيء! ياه الوقت تأخر كثيرا وأنا ألوك أفكاري العتيقة )…( على أريكتها وهي محاطة بأحفادها الذين لم يناموا في انتظار حلوى عيد ميلاد التي ستوزعها عليهم )…( وتضم صغارها الأبناء الذين ما برحوا بيتها قط لكنها ظلت أما محاطة بالحب”[32].
إن المتأمل في هذه القصة سيجد أن الكاتبة صورت لنا من خلالها صراعات المرأة الداخلية، وتصوراتها عن الحياة، والهواجس التي تنتاب أي امرأة يتقدم بها العمر فتتخيل أن الجميع سيتخلى عنها، فتبرز في هذه القصة ثنائيات متضادة بنت من خلالها الكاتبة قصتها تمثلت في: الغربة والانتماء، والحب والكره، والرأفة والقسوة، والاهتمام والتخلي وغيرها من الثنائيات التي صنعت من خلالها الكاتبة قصتها التي تحيلنا على أن الأثر الطيب راسخ ولا يمكن أن يقابل بعكسه في الكبر، ولعل الهواجس التي صنعتها “زكية” في بداية نصها متواجدة في المجتمع فهناك فئات كثيرة لا ترأف بأهلها، بل على الرغم من كل العطاء الذي يقدمونه إلاّ أن المقابل هو دار العجزة، والتخلي، فحين قالت الكاتبة في نصها”كمزهرية، أو ممسحة، أو لا شيء” فهي تعنيها؛ لأن معظم مظاهر القسوة والنكران متمظهرة في مجتمعاتنا العربية، وعليه جسدت لنا الكاتبة من خلال قصة “احتفال” صورة من صور المرأة المنكسرة الضعيفة، الفاقدة للاحتواء والاهتمام، لتنقل لنا تحولاتها في الشق الثاني فتصور لنا المرأة المعطاءة المحبة المحاطة بكل الحب والاهتمام.
هذا التذبذب العاطفي الذي فرضته طبيعة القصة يفرض علينا القول بأن القاصة دخلت في أعماق الذات الإنسانية، ومخاوفها التي هي استحضار ظاهري لحقيقة وجودها/فلسفة الوجود ولكنها في عمقها اعتلاء لسلم العدمية/ممسحة/مزهرية/لا شيء/قطعة أثاث. لعل هذه الثنائية: الوجود/العدمية هي التي انبنى عليها هذا النص القصصي القصير الذي يجعلنا ندرك حقيقة الوجود، وكيان الذات الإنسانية/المرأة التي منحت لها الكاتبة فضاءً واسعًا اتسع، بل تشظى في تحولات عدة، بدأت بالعدم وانتهت بالوجود؛ فالكاتبة تنشد وجود المرأة وفاعليتها في المجتمع.
وبالنظر في جملة هذه التحولات المتمظهرة في هذه القصة سنجد أن هذا الصراع بين الانكسار والانتصار، والوجود والعدم متجل بصورة واضحة في قصص أخرى مثل قصة “كاتبة” التي تصور لنا “زكية العتيبي” من خلالها معاناتها ككاتبة في مجتمع لا يؤمن بالإبداع؛ فاختارت “شجن” بطلة لرسالتها الثامنة؛ واشتقت لنا من ذاتها ذاتا أخرى نقلت لنا من خلالها مشاعر أنثى متعثرة، متصالحة مع نفسها، مزاجية، حساسة جدا، متناقضة، مسالمة، حزينة، متفائلة، منكسرة، مشرقة، ومنهزمة، مقيدة، وفي الأخير حرة تقول الكاتبة: “تغيرت.. نعم تغيرت صرت هشة، تبكيني مساحات الحنين التي تتمدد داخلي بلا رحمة، يجهشني كل ما يشجى من أول لفظة. أشعر أني قصاصات ورقة لا تحمل وزنا هانت الريح فبعثرتها في الفضاء غير عابئة بها.. لا لست بهذا الهوان أبدا.. أنا غيمة ماطرة تقطر شهدا متى شاءت.. كنت مقيدة بقيود الذوق التي أدمنتني… وأنا اليوم حرة… يمكنني أن أقرأ أستدل علي دون مساعدة.. بوسعي أن أقرأ تعابير روحي.. وأن أحضر قوائم طويلة بما تبقى مني وما تبقى عليّ”[33]. هذا الصراع الكبير الذي عانته ذات شجن قد يكون صراع المرأة السعودية الكاتبة بين الماضي والحاضر؛ فقول الكاتبة “كنت مقيدة بقيود الذوق التي أدمنتني… وأنا اليوم حرة” فيه تأكيد على ذلك؛ فالكاتبة الخليجية كانت في السابق مقيدة، أما الآن فقد تحررت من كل القيود؛ ما يجعلنا نؤكد على انتصار الكاتبة لذاتها الكاتبة في هذه القصة التي تحررت فيها من أعباء المجتمع الذي وصفه الطبيب بالمجتمع المريض تقول الكاتبة: “هم المرضى..لا أنت.. عليك بعلاجهم قبل أن يتسببوا في مرضك” ولعل زكية في هذه النهاية خرقت لنا أفق التوقع حيث إنها كانت صادمة في حكمها الذي هو في الحقيقة واقع موجود بالفعل في مجتمعاتنا العربية المريضة بالسلطة، والقيد والحكم. فمن يمنع عن المرأة الكتابة كمن يمنع عنها الدواء؛ لأن الكتابة دواء للروح، كما القراءة دواء للعقل ومتنفس لا يمكن أن يمنع أي قانون في هذا الكون فردًا من حرية الإبداع.
لقد وصلت زكية في هذه القصة إلى درجة الامتلاء الروحي، والسلام الداخلي، والتصالح مع كل من حولها، الأمر الذي منحها القدرة والقوة على مواجهة مجتمعها بالكتابة التي هي من أصعب الأمور؛ لأنها ألم وقلق فكري، وما ينتاب الفكر أصعب مما ينتاب الجسد[34]، ولعل هذا ما جسدته في قصة “كاتبة” التي تعتبر رسالة واضحة للمجتمع الذي حرم المرأة من أبسط حق من حقوقها وهو الكتابة. وعليه يمكن أن نخلص إلى أن القاصة استطاعت عن طريق شخصية شجن أن تعيد صياغة المجتمع المحيط بها وفق مرجعيات جديدة، بعضها مستوحى من واقعها الجديد والبعض الآخر من الماضي، وجزئية ثالثة من الذات الكاتبة المتخيلة التي لا تكتفي بتلقي العالم بل تسهم في صياغته[35] وإعادة بنائه من جديد بالكتابة وفقا لرؤى معاصرة تمنح المرأة صورتها التي تستحقها، لأن الكاتب في الأخير موجود داخل فضاء الدلالة التي تعلن عنها الكتابة[36].
ما نلاحظه في قصص زكية العتيبي هو أنها تزاوج بين مشاعر متضاربة؛ ومتضادة فنجدها تصور المرأة في صور تتردد بين الضعف والانكسار والقوة والانتصار؛ فأحيانًا نجدها قويةً لتعود منكسرةً في نهاية السرد مثل قصة “أنثى عاصفة” في الرسالة الثانية التي تصور فيها القاصة مشهد فتاة شفيت من حب رجل دمرها، وأذلها وكسرها في بداية قصتها معه، لنجدها في النهاية برسالة قديمة تعثرت بها وهي تنتقل إلى بيتها الجديد عرتها أمام نفسها، وكشفت لها خيبتها وانكسارها وضعفها أمام رجل لم تشف من حبه بعد: تقول الكاتبة: “وقعت عينيها على “رسالة ذل” كما تسميها، تلك الرسالة التي كانت كفيلة بأن تغير مجرى قلبها؛ ليصب في عقلها مباشرة من بعد ذلك التاريخ. ترددت في فتحها… وبقلب يخفق هلعا.. جزعا.. ذلا تشجعت.. فتحتها وبدأت تقرأ بقلب وجل”… “اعتصرت ملامحها ثم أجهشت بالبكاء.. ليس بعد..!”[37] فقول الكاتبة في بداية القصة “أنا المرأة العاصفة التي طالما خشيتها” تحيلنا مباشرة على صلابة وقوة هذه المرأة، وقولها بعدها “كم أنا مهزومة وأحتاج إليك.. توقفت عن السير بعدك.. أنا لا أصلح لشيء دونك” تحيلنا مباشرة على الانكسار الذي تعيشه هذه الأنثى. وعليه هذا النزول الحرج والتدرج في المشاعر من القوة إلى الضعف يجعلنا نقر بأن صورة المرأة في هذه القصة مهزومة.
ولعل هذا النزول لا يستمر بصورة دائمة لأننا تعثرنا في هذه المجموعة بقصص أخرى انتقلت فيها الكاتبة إلى صور أخرى تصاعدت فيها مشاعر المرأة من الضعف والانهزام إلى القوة والانتصار مثل قصة “رغبة” التي جسدت من خلالها الكاتبة تضحيات المرأة التي قدمتها في حق بيتها وعائلتها إلاّ أنها قوبلت بالنكران الأمر الذي دفع بها إلى خلع زوجها الذي تنكر لها واتهمها بالعقر، في حين أن مشكل الانجاب هو سببه وليست هي، وتسلطه الدائم في البيت رغم أنه بيتها، لينتهي السرد نهاية حرية وانتصار، تقول الكاتبة: “المساحة هنا غير كافية للبكاء..في مكتبي الصغير كنت أغلق علي الباب لأبكي.. تحذيره الدائم لي كل مرة ألاّ يعلم أحد بأنه بيتي.. شمس الحقيقة باذخة السطوع لكنه يتعمد ألاّ يراها.. ماذا لو رميت التقرير في وجهه؟ ماذا لو علم أنه هو العقيم لا أنا؟… حزمت كل مالها في هذا البيت البارد، وكلت محاميا للمضي في إجراءات الطلاق.. عرضت بيتها للبيع، وبأول سعر باعته.. تجددت.. أزهرت، تنفست هواء نقيا.. وأخذت تدوزن نبضات قلبها وتترنم: “على هذه الأرض ما يستحق الحياة”.[38] لعل هذه القصة هي صورة حية عن المرأة القادرة، الفاعلة التي تستطيع تقرير مصيرها دون الآخر/الرجل، فعلى الرغم من جبنها، وخوفها، وانكسارها الذي صورته الكاتبة في بداية السرد إلاّ أنها استطاعت أن تتمرد على كل القيود ولعل أكبر قيد في الحياة هو الخوف، وأكبر حرية هي الجرأة على تقرير المصير وهذا ما وجدناه في قصة “رغبة” التي حاول الرجل فيها أن يسلب المرأة كل حقوقها.
من هنا يمكننا الإلمام بكل هذه الصور التي وردت في قصص “زكية العتيبي” لنقول عنها بأنها لا تخرج عن ثنائية الاستلاب والحرية؛ فالمرأة في هذه النصوص إما مستلبة عاطفيا، أو مسلوبة مكانتها، أو مسلوبة حقوقها، ليحدث التحول على مستوى النص؛ فإما تحقق حريتها عاطفيا فتتحرر من الآخر/الرجل/المجتمع/القبيلة بامتلاكها لأهلية تمكنها من إثبات مكانتها في المجتمع الذي هضم حقها، أو تنتصر لنفسها ولحقوقها التي حرمت منها. ويمكن أن نوجز كل هذا البرنامج السردي الآتي:
- البرنامج السردي:
- الذات: المرأة بكل صورها.
- الموضوع: البحث عن الذات والحق المسلوب.
- المرسل: هو الدافع الذي دفع بالذات كي ترغب في الموضوع وهو )الرغبة في التغيير والحرية(
- المرسل إليه: المجتمع/السلطة/الفئة المثقفة/الرجل.
- المساعدين: الحب، الثقافة، الوعي، الموهبة، الكتابة، الذكاء، الصبر، الجرأة والعناد.
- المعارضين: الرجل، البيئة، القبيلة، الضعف، الانكسار، الحزن، الاستسلام، الخنوع والخضوع، ومن ثمة يكون البرنامج السردي كالآتي:
البرنامج السردي الأول:
علاقة تــــــواصـــــــــــــــل
المرسل ………………………………………………………………………………..المرسل إليه
) الرغبة في التغيير والحرية ( المجتمع/السلطة/الفئة المثقفة
عــــــــــلاقة رغبة
الذات ……………………………………………………………الموضوع
(المرأة بكل صورها (………………………. (البحث عن الذات والحرية والحق المسلوب)
علاقة صراع
المساعد …………………………………………………………………..المعارض
(الحب، الثقافة، الرغبة، الوعي، الموهبة، (الرجل، الضعف، الانكسار، الكتابة، البيت، الذكاء، الصبر، الجرأة، العناد) الحزن، الضياع، الاستسلام).
- المربع السميائي:
الاستلاب اللاستلاب
الحرية اللاحرية
ومن هنا يمكن أن نستنتج بأن الصراع قائم بين الاستلاب والحرية؛ فالقضية هي قضية بحث المرأة عن حريتها المستلبة التي طالما سلبها المجتمع والقبيلة منها، وعليه حاولت المرأة أن تعيد بعضا من حقوقها المسلوبة. ومن ثمة نخلص إلى هذا الجدول الذي يضم صور المرأة في المجموعة القصصية “رسائل متعثرة” لزكية محمد العتيبي.
المرأة |
الرجل |
الماضي |
الحاضر |
المرأة المسلوبة |
المرأة الحرة |
المرأة المنكسرة |
المرأة المنتصرة |
المرأة الضعيفة |
المرأة القوية |
المرأة والرجل |
المرأة والمرأة |
يمكن أن نسجل ملاحظة -حول كل ما قيل عن هذا السرد- تمثلت في غياب حضور صورة المرأة الكائدة والغاوية والماكرة، في نصوص “زكية محمد العتيبي” الأمر الذي لا يجعلنا نقر بعدم وجود هذا الصنف من النساء في أرض الواقع؛ لأن الكاتبة تسرد جانبًا من جوانب الواقع الاجتماعي؛ فاكتفت بالحديث عن فئة معينة في قصصها لتوصل رؤيتها، وقضيتها، وتناصر الفئات المستلبة المستضعفة.
خاتمة البحث
وبعد هذه الرحلة في إبداع “زكية محمد العتيبي” يمكن القول بأن الكاتبة قد أسست لنفسها لغة خطابية جديدة لصيقة بواقعها المليء بالتناقضات[39]، لغة متشظية تأسست انطلاقًا من التناقضات؛ فبين رفض وعطاء، بين سلب وحرية، تشظت الذات الإنسانية الكاتبة التي تبحث عن نفسها، فحين يغيب الاستقرار في الواقع، وتُسلب حقوق المرأة، يغيب الوجود أيضًا، وتنقسم الذات باحثة عن الاستقرار، والسكينة، وعن الحرية التي تعيد للمرأة كيانها بين الأخريات.
من هنا يمكن القول بأنه قد أصبح للسرد القصصي القصير النسائي السعودي المعاصر ميزات وخصائص جعلت من النص الواحد متنا لنصوص متوارية فيه، تجاوز لفظها معانيها إلى معنى ثاني وثالث من جهة، ومحتمل عبر علاقات علاماتية من جهة أخرى، ولا مرئية من جهة ثالثة تسهم في توليد الدلالات وخلق فضاءات نصية جديدة[40]، ولعل هذا ما لمحناه في هذه المجموعة “رسائل متعثرة” التي يمكن اعتبارها نصوصا مكثفة تحمل طبقات دلالية[41]؛ فهي على الرغم من بساطتها إلاّ أنها تكتنز أبعادًا عميقةً.
[1] أوريسي، رحمة الله. المرأة تكتب ذاتها قراءات في نماذج من السرد النسائي السعودي، ط1. الرياض: دار جامعة الملك سعود للنشر، 2015م، ص:4.
[2] العتيبي، زكية محمد. رسائل متعثرة (مجموعة قصصية)، ط1. القاهرة: دار غراب للنشر والتوزيع، 2015م.
[3] الضبع، مصطفى. العلامة السردية في قصص زكية العتيبي القصيرة. المملكة العربية السعودية: قسم اللغة العربية، كلية الآداب، جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل، 2019م، ص:7.
[4] بلتاجي، سوسن محمد عبد الجواد. “القصة القصيرة السعودية المعاصرة (دراسة سيميائية)”، حولية كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بالإسكندرية، 2017م، ج5، ع33، ص:1031.
[5] العصيمي، هيفاء حامد. “التحولات الاجتماعية في القصة القصيرة السعودية”، مجلة نزوى، ع2، 2019م، ينظر الرابط أيضًا: www.nizwa.com
[6] العتيبي، زكية محمد. أنثى الغمام، ط1. الرياض: دار المفردات للنشر والتوزيع، 2013م.
[7] العتيبي، زكية محمد. هطول لا يجيء، ط1. الرياض: دار تشكيل للنشر والتوزيع، 2016م.
[8] العتيبي، محمد زكية. رسائل متعثرة. ص:8.
[9] المصدر نفسه، ص:20.
[10] المصدر نفسه، ص:24.
[11] المصدر نفسه، ص:62.
[12] المصدر نفسه، ص:39.
[13] المصدر نفسه، ص:67.
[14] الضبع، مصطفى. العلامة السردية في قصص زكية العتيبي القصيرة. ص:20.
[15] بنكراد، سعيد. مسالك المعنى دراسة في بعض أنساق الثقافة العربية، ط1. سوريا: دار الحوار للطباعة والنشر والتوزيع، 2006م، ص:56.
[16] أشهبون، عبد المالك. عتبات الكتابة في الرواية العربية، ط1. سوريا: دار الحوار للطباعة والنشر والتوزيع، 2009م، ص:47.
[17] العتيبي. رسائل متعثرة. ص:12.
[18] المصدر نفسه، ص:20.
[19] المصدر نفسه، ص:26
[20] المصدر نفسه، ص:30.
[21] المصدر نفسه، ص:34.
[22] المصدر نفسه، ص:39.
[23] المصدر نفسه، ص:47.
[24] المصدر نفسه، ص:39.
[25] المصدر نفسه، ص:85.
[26] المصدر نفسه، ص:59.
[27] المصدر نفسه، ص:67.
[28] المصدر نفسه، ص:76.
[29] المصدر نفسه، ص:79.
[30] المصدر نفسه، ص:86.
[31] المصدر نفسه، ص:53.
[32] المصدر نفسه، ص:53-57.
[33] المصدر نفسه، ص:51-52.
[34] شقروش، شادية. سيميائية الخطاب الشعري في ديوان مقام البوح للشاعر عبد الله العشي، ط1. الأردن: عالم الكتب الحديث للطباعة والنشر والتوزيع، 2010م، ص:110.
[35] بنكراد، سعيد. سيرورات التأويل من الهرموسية إلى السيميائيات، ط1. لبنان: الدار العربي للعلوم ناشرون، منشورات الاختلاف، 2012م، ص:221.
[36] المرجع نفسه، ص:221.
[37] العتيبي، زكية محمد. رسائل متعثرة. ص:20-25.
[38] المصدر نفسه، ص:67-71.
[39] طراد، الصديق. تشظي الدلالة من العنوان إلى النص في الشعر الجزائري المعاصر من 1990 إلى 2010م، (مذكرة مقدمة لنيل درجة الماجستير في الأدب واللغة العربية). كلية الآداب واللغات، جامعة محمد خيضر، بسكرة، 2014- 2015م، ص:97.
[40] المرجع نفسه، ص:97
[41] مراح، محمد. هندسة المعنى في الشعر العربي المعاصر، محمود درويش نموذجا، (رسالة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في تحليل الخطاب). كلية الآداب واللغات والفنون،جامعة وهران1، 2012- 2013م، ص: أ.
*أستاذ متعاون بكلية الآداب واللغات، جامعة قاصدي مرباح-ورقلة، الجزائر.
المصادر والمراجع
- أشهبون، عبد المالك. عتبات الكتابة في الرواية العربية، ط1. سوريا: دار الحوار للطباعة والنشر والتوزيع، 2009م.
- أوريسي، رحمة الله. المرأة تكتب ذاتها قراءات في نماذج من السرد النسائي السعودي، ط1. المملكة العربية السعودي: دار جامعة الملك سعود للنشر، 2015م.
- بنكراد، سعيد. سيرورات التأويل من الهرموسية إلى السيميائيات، ط1. لبنان: الدار العربي للعلوم ناشرون، 2012م.
- بنكراد، سعيد. مسالك المعنى دراسة في بعض أنساق الثقافة العربية، ط1. سوريا: دار الحوار للطباعة والنشر والتوزيع، 2006م.
- شقروش، شادية. سيميائية الخطاب الشعري في ديوان مقام البوح للشاعر عبد الله العشي، ط1. الأردن: عالم الكتب الحديث للطباعة والنشر والتوزيع، 2010م.
- الضبع، مصطفى. العلامة السردية في قصص زكية العتيبي القصيرة. قسم اللغة العربية، كلية الآداب، جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل، المملكة العربية السعودية، 2019م.
- العتيبي، زكية محمد. أنثى الغمام (مجموعة قصصية)، ط1. المملكة العربية السعودية: دار المفردات للنشر والتوزيع، 2013م.
- العتيبي، زكية محمد. رسائل متعثرة (مجموعة قصصية)، ط1. القاهرة: دار غراب للنشر والتوزيع، 2015م.
- العتيبي، زكية محمد. هطول لا يجيء، ط1. الرياض: دار تشكيل للنشر والتوزيع، 2016م.
رسائل جامعية
- طراد، الصديق. تشظي الدلالة من العنوان إلى النص في الشعر الجزائري المعاصر من 1990 إلى 2010م، (مذكرة مقدمة لنيل درجة الماجستير في الأدب واللغة العربية). كلية الآداب واللغات،جامعة محمد خيضر، بسكرة، 2014- 2015م.
- مراح، محمد. هندسة المعنى في الشعر العربي المعاصر، محمود درويش نموذجا، (رسالة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في تحليل الخطاب). كلية الآداب واللغات والفنون، جامعة وهران1، 2012-2013م.
الدوريات العربية
- بلتاجي، سوسن محمد عبد الجواد. “القصة القصيرة السعودية المعاصرة (دراسة سيميائية)”، حولية كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بالإسكندرية، 2017م، ج5، ع33.
- العصيمي، هيفاء حامد. “التحولات الاجتماعية في القصة القصيرة السعودية“، مجلة نزوى، ع2، 2019م.
تحميل المقالة