الصورة المتخيّلة للرجل في رواية “الباغ” لبشرى خلفان

الصورة المتخيّلة للرجل في رواية

د. عيسى بن سعيد بن عيسى الحوقاني*

ملخص البحث

نسعى في هذه الدراسة إلى تناول الصورة المتخيّلة للرجل العمانيّ كما تصورها المرأة العمانيّة في الفنّ الروائيّ. وقد اخترنا لهذه الدراسة روايةً نسويّةً من الروايات العمانيّة وهي رواية “الباغ” للكاتبة العمانيّة بشرى خلفان، ويعود سبب اختيار هذه الرواية دون غيرها من الروايات العمانيّة؛ إلى جرأة الكاتبة في رسم صورة الرجل العمانيّ من ناحية، وانتشار هذه الرواية وكثرة إقبال القرّاء عليها من ناحيةٍ أخرى.

وتكمن أهميّة هذه الدراسة في قدرة كاتبة رواية “الباغ” على إظهار صورة الرجل العمانيّ بتجلياتها المتنوّعة، إذ يظهر بالصورة النمطيّة تارةً، وبالصورة الإيجابيّة تارةً، وبالصورة السلبيّة تارةً أخرى، إضافة إلى ذلك فإنّ هذا الموضوع ـحسب اطّلاعناـ لم يدرس على الرغم من أنّه جدير بالدراسة، وهذا يزيد الموضوع أهميّةً وطرافةً.

كلمات مفتاحية: بشرى خلفان، رواية الباغ، الرواية النسوية، صورة الرجل.

مقدمة

لا نقصد المعنى الفني للصورة في دراستنا بل نقصد الصورة السرديّة الروائيّة المتخيّلة للرجل في رواية “الباغ” لبشرى خلفان، الصورة التي تكشف عن الفضاء الأيديولوجي والفكري والثقافي؛ إذ إن الصور السرديّة “انعكاسٌ أو تماثلٌ مع الواقع الثقافي والاجتماعي المعيش أو المتخيّل”[1]، ويعبّر الكاتب من خلال صورة الشخصيّة عن واقعه ويتمثّله في عمله الروائي، فحسب (فانسون جوف ـ Vincent Jouve) “لا تكون الشخصيّة الروائيّة البتة نتاج إدراك، وإنّما تمثّل”[2].

والحديث عن صورةٍ متخيّلةٍ قد يثير جملةً من التساؤلات، إلا أنّ تلك التساؤلات تتلاشى حين ندرك أنّه لا وجود لصورةٍ تخييليّة صرفة “فكلّ معرفة هي معرفة عقليّة في بنيتها أو طبيعتها، وما المتخيّل إلا وسيلة لتفعيل تلك الماهيّة”[3]، ويبدو أنّ إنتاج الصورة لا يتحقق بدون إدراك الأصل، ولا شك في أنّه “إذا غاب الشيء المحسوس غابت صورته عن الحسّ المشترك، ولكنْ تبقى صورته في المخيّلة”[4]، وهذا لا يعني أنّ العمليّات العقليّة لا تنتج ما لا يوجد في الواقع ولا يتقبله المنطق والعقل؛ لأن الصورة التخييليّة لا تتعارض مع المعرفة العقليّة، وإنّما تنبني من خلال إدراك الصور الحسيّة.

إن دراسة الصورة المتخيّلة للرجل في رواية “الباغ” هي محاولة للكشف عن كيفيّة تصوير بشرى خلفان للرجل في روايتها، وهل استطاعت من خلال متخيّلها الروائي رسمَ واقع الرجل العماني؟ فلا شكّ في أنّ الرواية مكان الممكن، إذ تمنح الكاتبة مساحةً كبيرةً من الحريّة لإعمال متخيّلها، ففي الرواية “قد تجد المرأةُ الرجلَ معادلا موضوعيًّا لذاتها، فتعتبره آخر وتصوّره بعيدًا عن ذاتها الساردة؛ لتعبّر عنه كآخر يحمل محمولات جنسيّة وثقافيّة وفكريّة مختلفة عنها”[5].

وليس المطلوب من الروائي نقل الواقع كما هو؛ لأنّ ذلك يتنافى مع الإبداع، ولكن عليه استقطاب المتلقي وإن لم يعترف بذلك المتخيّل لأنّ “المتخيّل السرديّ يتجاوز سلطة الاعتراف والفعل التاريخي إلى سلطة التساؤل والفعل الجمالي، ولا يعني ذلك أن يكتسب صفة العقلانيّة في طرح الموضوعات، وإنّما يستقطب القارئ إلى عالم البصيرة الحدسيّة أو الرؤية”[6].

وإن الصورة المتخيّلة للرجل في رواية “الباغ” رهينة لمخزون المحسوسات في ذهن الكاتبة بشرى خلفان. وقد استمدّت من ذلك المخزون عبارات روايتها وأفكارها، وأخرجت عالمها المتخيّل الذي بلا شك ليس توأمًا مطابقا للعالم الحقيقي؛ ولهذا تتعدّد تحليلات المتلقين لذلك العالم المتخيّل حسب تعدد آفاقهم واختلاف مشاربهم الدينية والفكرية والسياسية.

ولا يمكن بأي حال من الأحوال فصل الصورة المتخيّلة للرجل في رواية “الباغ” عن الواقع العمانيّ المعاصر من ناحية، وعن التاريخ العمانيّ من ناحية أخرى، فلا يمكن أن يتحرّر أي متخيل كلّيا من الحمولات التاريخيّة؛ لأنّ “الصلة بين المتخيّل والتاريخ متينة جدًّا إذ لا انفكاك بينهما”[7].

ولسنا مع تقسيم الأدب عامةً والرواية خاصةً إلى رجاليّة ونسويّة، إذ لا وجود لاختلافات جوهريّة بين كتابة الرجل وكتابة المرأة تصل إلى درجة التمييز بين ما أنتجه كلّ جنس منهما، فموضوع الكتابة ينظر إليه من منظور الإبداع في الإنتاج الأدبي لا من منظور جنس المبدع لذلك الإنتاج. 

وقبل الدخول في محاور هذه الدراسة تجدر الإشارة إلى أن رواية “الباغ” استمدّت عنوانها من اسم بيت كبير يحيط به بستان واسع دارت فيه بعض أحداث هذه الرواية، وأنّ لغة هذه الرواية جمعت بين اللغة العربيّة الفصحى في السرد، والعاميّة العمانية والبحرينيّة في الحوار، ولا بد من الإشارة كذلك إلى أنّنا لسنا بصدد تتبّع كافة تجليّات الصورة المتخيلة للرجل في هذه الرواية وإنما نكتفي بالوقوف على بعضها لأنّ المقام لا يتّسع للوقوف على جميعها.  

تجليات الصورة النمطية للرجل في رواية الباغ

إن المتمعّن في تجليات الصورة النمطية للرجل في رواية “الباغ” يجد تنوّعًا كبيرًا في الشخصيّات التي ظهرت في صورة نمطيّة إذ استطاعت الكاتبة أن تُظهر جملة من الشخصيّات الرجاليّة في صورها النمطيّة المألوفة كشخصيّة الرجل الأب، والرجل الابن، والرجل الزوج، والرجل العبد، ومن هذه الشخصيّات ما اقتصرت صورتها على النمطيّة فقط كما هو شأن (الرجل العبد)، ومنها ما ظهرت بصور أخرى إضافة إلى النمطيّة كما هو الشأن في باقي الشخصيّات.

 وتتجلّى صورة الأب في رواية “الباغ” لبشرى خلفان في ثلاث صور: نمطيّة، وإيجابيّة، وسلبيّة، ويمكننا أن نرصد الصور الثلاث في شخصيّة واحدة  وهي شخصيّة (سيف بن راشد العايفي) والد راشد وريّا، إذ تتمثل نمطيّة الصورة في الأب الذي حرص على تربية أولاده تربيةً صالحة، فعلى الرغم من أنه يجمع بين مشيخة القبيلة والثراء فقد كان متديّنا ملتزمًا بتعاليم الإسلام، وقد تزوج بفتاة من بلدة أخرى لأجل الصلح بين قبيلته وقبيلتها، وعلى الرغم من أنها لم تكن تبادله الحب فقد أنجب منها ولده (راشدا) وابنته (ريّا)، وماتت زوجته بحمّى النفاس وظل محبًا  لها بعد موتها ولم يتزوّج بعدها، وتأثّرت نفسيته واهتمَّ بالعبادة والتقرّب إلى الله حتى نظر إليه الناس على أنه رجلٌ ضعيفٌ لا يصلح لقيادة القبيلة والقيام بمسؤوليّة المشيخة، فأجبره أخوه على التنازل عن المشيخة له، تقول بشرى خلفان على لسان الأب راويًا حواره مع أخيه: “نصحته، لكنّه ما سمع مني، قلت له: نحن طلاب علم ودين ما طلاب دنيا ومال، قال لي: أنت اجلس في المسجد واعطني المشيخة، قال لي أنت ضعف ما تقدر عليها، قلت له: خذها، ما لي رغبة في الأمر والنهي ورقاب الخلق”[8]، ولا شك في أن الصورة التي ظهر بها الأب في هذا المقام صورة نمطيّة مألوفة في مجتمعنا.

وتتجلّى الصورة النمطيّة للابن في رواية “الباغ” في شخصيتي (صالح) و(ناصر) ابني (العود) الرجل التاجر الذي آوى (راشدًا) وأخته في بيته، إذ يمثلان شخصية الابن الذي يجلّ الأب ويوقّره حتى أنهما ضحكا مع أبيهما عندما ضحك كما تقول الكاتبة: “ضحك العود من كلامه نفسه فضحك ولداه معه”[9]. ولا شكّ في أن هذه الصورة نمطيّة للابن الذي يوقر أباه حتى أنه يضحك عندما يضحك أبوه تقديرًا له.

ونجد الصورة النمطيّة للرجل الزوج في رواية “الباغ” ماثلةً في شخصيّة (العود)[10] التاجر الذي آوى (راشدا) وأخته في منزله، وكانت “العودة هي زوجته الأولى، وبنت عمه التي هبط معها من قريات[11] إلى مسقط، وهي أم ناصر وصالح”[12] تظهر الصورة النمطية للزوج في رغبته الجامحة في الإنجاب إلا أن ابنة عمه “العودة لم تنجب بعد صالح وناصر لا ولدا ولا بنتا”[13]، ولهذا “تزوّج كثيرًا بعدها، زيجات فرضتها الظروف والحاجة والرغبة في الأولاد”[14]، ولكن ظل يقدر زوجته الأولى على الرغم من أنه تزوّج أخريات “إنّها الآمر الناهي في البيت، وأن لا سلطان إلا لها وما تقوله يجري أمرًا على الجميع حتى رجال البيت ما عداه”[15]. وهذه الصورة نمطيّة في العرف الاجتماعي العماني، فعادة تبقى المودة والرحمة ولا يترك الزوج زوجته الأولى خاصة إذا كانت من أقاربه، بل يتزوّج إن دعت الحاجة إلى ذلك دون أن يتركها أو يقلل من شأنها؛ لأنها أمّ أولاده من ناحية، وابنة عمه من ناحية أخرى.

ولا تخلو رواية “الباغ” من إشارات إلى العبيد رجالاً ونساءً بحكم الحقبة الزمنية التي وقعت فيها أحداث الرواية وهي منتصف القرن العشرين، فقد اقتصر ظهور الرجل العبد في الرواية على  الصورة النمطيّة المألوفة، ونجد هذه الصورة النمطيّة ماثلة في شخصيّة (سبيت) العبد الذي يعمل في مجلس شيخ العوايف، فـ (سبيت) عبد يعمل في خدمة ضيوف الشيخ، يحضّر الطعام، ويصب القهوة للرجال، وهذا ما يبدو في قول الكاتبة: “ذهب إلى سبلة أخيه فدخلها ضحى، والناس متحلقة حول صحن الرطب ودلة القهوة بيد سبيت يدير الفناجين بينهم”[16].

وتستمر الصورة النمطيّة لشخصية (سبيت) الرجل العبد الذي يخضع لسيده ويقبّل يده ويناديه بلفظ مألوف يدل على الخنوع التام، فعندما دخل (راشد بن سيف) السبلة[17] “وقف برهة عند باب السبلة ولم يسلّم، وقف يتأمل انشغالهم بما في أيديهم، لكن سبيت انتبه له، فصرخ: حبابي. وهرع إليه وانكب على يديه يقبلهما”[18]. وهذه الصورة تبدو نمطيّةً ألفها المجتمع العمانيّ في تلك الحقبة، فقد كان العبيد يخاطبون رجال القبائل بلفظة (حبابي) أيْ سيدي ونساء القبائل بلفظة (بيبي) أي (سيدتي) مع تقبيل اليد.

كما نجد الصورة النمطيّة للرجل العبد ماثلة في شخصية (ربيع) خادم منزل التاجر (العود) فهو شاب شديد السمرة يحضّر الطعام، ويصب القهوة كما تقول الكاتبة في سردها: “جلس الجميع ووضع شاب شديد السمرة يُسمونه ربيع أمامهم صحن تمر… صبّ لهم ربيع القهوة في فناجين بيضاء”[19].

وتتجلّى الصورة النمطيّة للرجل العبد (ربيع) في أنه كبقية العبيد شديد السمرة أحمر اللثة، شديد بياض الأسنان، بل إن ضحكته مثيرة للضحك، وهذا ما يبدو في قول الكاتبة: “ندت عن ربيع ضحكة طويلة تتخللها شهقات تكشفت فيها لثته الحمراء وأسنانه اللامعة البياض، لم يضحك راشد لما قاله العود لكن ضحكة ربيع أضحكته”[20].

هكذا تجلّت الصورة النمطيّة للرجل في رواية “الباغ” من خلال أربع شخصيات هي: الأب، والابن والزوج والعبد، فظهر الرجل الأب في صورة الأب الحريص على تربية أبنائه تربية صالحة، وظهر الرجل الابن في صورة الابن البار بأبيه، وظهر الرجل الزوج، في صورة الزوج المقدر للعشرة الزوجيّة، وظهر الرجل العبد في صورة الأسمر المطيع لسيّده.

تجليات الصورة الإيجابيّة للرجل في رواية الباغ

إن المتمعّن في تجليّات الصورة الإيجابيّة للرجل في رواية “الباغ” يجد تنوّعًا كبيرًا في الشخصيّات التي ظهرت في صورة إيجابيّة إذ استطاعت الكاتبة أنْ تُظهر جملةً من الشخصيّات الرجاليّة في صورة إيجابيّة، وقد تظهر الشخصيّة ذاتها في صور مختلفة بين النمطية والإيجابيّة والسلبيّة كما هو الشأن في شخصيّة الأب، وقد تقتصر الشخصيّة على الصورة الإيجابية فقط كما هو الشأن في صورة (الرجل الخال)، وصورة (الرجل الصديق).

وتظهر الصورة الإيجابيّة للرجل الأب في شخصيّة (سيف بن راشد العايفي) والد (راشد) و(ريّا) إذ إن زوجته “لم تلبث بعد ولادة ريا إلا شهرًا في الفراش ثم رحلت في حمّى النفاس… لكن سيف بن راشد لم يرد الزواج بعد الساعديّة، كان قلبه بين كفي ريّا الصغيرين، فلم يشأ أن يكدّر خاطرها ظل زوجة أب. صار أمّها وأباها ومعلّمها”[21]، وهنا تتمثّل صورة التضحية في شخصية الأب.

وتتمثل الصورة الإيجابية في هذه الشخصيّة كذلك في الأب الذي اهتم بتعليم ابنته يتيمة الأم في زمن قلّ أن تتعلم فيه البنات، فقد علّمها العلوم المتاحة في ذلك الزمن، تقول الكاتبة على لسان (ريّا): “أبوي علّمني”[22].

وتتجلّى الصورة الإيجابيّة للأب كذلك في رفضه زواج ابنته من ابن أخيه الظالم وهنا ظهرت صورة الأب قويّ الشخصية الذي لم يتزعزع عن قراره على الرغم من إلحاح أخيه عليه، “الآن يطلب أن أزوّجه ريّا؟ ويقول أنا أخوك وهذا ولدي ولدك، وولده مثله لا خوفة من الله ولا خشية، وأنا حلفتُ بالله رب العرش العظيم، ريّا ما تكون تحت ظالم ولد ظالم”[23].

وتتمثل الصورة الإيجابيّة للأب أيضًا في ترك حرية اختيار الزوج لابنته على الرغم من كثرة الخاطبين لها من ذوي المكانة والجاه، “خطبوها وهي لم تتجاوز الحادية عشرة، شيوخ القبائل تسامعوا بعلمها وجمالها فجاؤوها من كل مكان خاطبين. قال أبوها أمرها بيدها وهي لم تقل نعم”[24]. فقد ظهرت شخصيّة الأب هنا ديمقراطيّة لا تستبدّ بالقرار داخل الأسرة.

وتتجلى الصورة الإيجابية للرجل الابن في رواية “الباغ” في شخصيّة (راشد) الذي التزم بما تعهد به أبوه وبرّ بقسمه، فلم يقبل بتزويج أخته (ريّا) من الشخص الذي رفضه أبوه في حياته يقول (راشد) موجهًا الكلام لعمّه: “ريا أختي وأنا وليّها ما دامني حيّ وأنا حيّ … كلكم تعرفوا أن أبوي محرم ريّا على الظلام”[25]. فقد التزم (راشد) بالوفاء بعهد أبيه على الرغم من أنّه لم يعلّمه كما علّم أخته، وهنا يظهر (راشد) في صورة الابن الوفي الملتزم بوصيّة أبيه.

وإذا كانت صورة الأخ في الرواية النسوية حسب (سوسن ناجي) تبدو هامشية ضعيفة التأثير على شخصية البطلة الأخت[26]. فإن  صورة الأخ في رواية “الباغ” لبشرى خلفان خالفت هذا التصوّر إذ بدت شخصية رئيسة تمثلت في شخصيّة (راشد) الأخ الأكبر لـ (ريّا)، وتجلّت صورة الأخ في هذه الرواية في صورتين: إيجابيّة، وسلبيّة، وتتمثل الصورة الإيجابيّة في شخصيّة (راشد) الذي لم يتخلَّ عن أخته في وسط الوادي إذ كان مستعدًا أن يموت معها ولا يتركها وسط السيل الجارف “قال لها والوادي سيل جارف: نخوض، يا نوصل[27] رباعة يا يشلنا الوادي رباعة”[28]. وهنا تظهر تضحية (راشد) من أجل أخته.

ونجد الصورة الإيجابيّة للأخ ماثلة في شخصية (راشد) إذ حافظ على أخته على الرغم من ضغط عمّه عليه بالإغراء تارةً والتهديد تارةً أخرى؛ إذ أغراه بالزواج من ابنته (صفيّة) مقابل الموافقة على زواج أخته (ريا) من ابن عمّها (حميد)، وعندما رفض هدده بانتزاع نخيله منه ومع هذا لم يفرّط في أخته “راجعه عمّه في زواج حميد من ريّا، ووعده بتزويجه من ابنته صفيّة في المقابل، ثم هدّده بانتزاع نخيل أبيه من يديه غصبًا فلم يأبه”[29]، وهنا يظهر (راشد) سندًا لأخته ومدافعا عن حريّتها.

ونجد الصورة الإيجابيّة للأخ ماثلة في شخصية (راشد) عندما خطب (علي) منه أخته (ريا) إذ “طلب مهلة في الردّ حتى يسألها”[30]، وتستمر شخصيّة الأخ في إيجابيّتها حينما عرض على أخته خطبة صديقه (علي) إذ قال لها: “أنت حرة بنت حرة، وأبوي قال أنش[31] محرمة بس على الظلام، وعلي رجل متعلم وطيب ويخاف الله، ويشتغل كاتب في برزة[32] السيّد…”[33]، ويبدو جليًّا أنّ الأخ أعطى أخته حرية الاختيار، وبصّرها بالصفات الإيجابية للشخص المتقدم لخطبتها، وهكذا تتجلّى الصورة الإيجابية للأخ في التضحية، والسند لأخته، والدفاع عن حقوقها، ومنحها حرية اختيار الزوج.

وأمّا صورة الرجل الخال في رواية “الباغ” فتبدو نقيضة لشخصية الرجل العم، فإذا كانت صورة الرجل العم في الرواية صورة سلبيّة فإن صورة الرجل الخال بدت إيجابيّة على الرغم من تعدد شخصيّات الرجل الخال في الرواية، فأول الصور الإيجابية للرجل الخال تطالعنا في الرواية صورة (سليمان) و(خليفة) و(سعود) أولاد علي بن غصن الساعدي، أخوال (راشد) و(ريّا)، إذ شمّروا عن ساعد الجد لإنقاذ (راشد) ابن أختهم من الحبس الذي وضعه فيه عمّه، فـ “بعد أيام وصل خبر حبسه لأخواله العائدين فجرًا من غارة على أولا حمد، فما لمست أقدامهم الأرض، أطلقوا شرارة الغضب فطارت بهم الخيول”[34] وتوجه الأخوال الثلاثة ومن معهم من أولادهم ورجال قبيلتهم إلى الوالي لإخراج ابن اختهم وقالوا للوالي “ولدنا عندكم ونبغاه عندنا”[35] وصل الأمر إلى تهديد الوالي، “تفاقنا[36] على ظهورنا وخناجرنا في محازمنا ورجالنا محاوطين المكان، فخلوا ولدنا بالحسنى ولا نزعناه من تحت يدينكم بالقوة”[37]، وهكذا أنقذ الأخوال الثلاثة ابن أختهم من الحبس الذي أدخله فيه عمّه وكانوا في مواجهة مباشرة مع الوالي حتى “أطلق العسكر راشدا فانطلقوا به”[38].

وكما خاطر الأخوال الثلاثة بحياتهم لإنقاذ (راشد) ابن أختهم كذلك فعلوا لإنقاذ (ريا) ابنة أختهم من قبضة عمها الذي كان على وشك عقد قرانها على ولده (حميد) فعندما خرج (راشد) من الحبس توجه لإنقاذ أخته “دخل سبلة عمه مع أخواله فوجد الرجال شهودًا على العقد زواج ابن عمه على أخته وابن العم يكاد يقول: نعم قد قبلت”[39]. هكذا بدت شخصية الأخوال الثلاثة في صورة السند والعون لذريّة أختهم المتوفاة، فقد كانوا في مواجهة قتاليّة لإنقاذهما من شرّ عمهما.

ونجد الصورة الإيجابية للرجل الخال في شخصيّة (راشد) في تعامله مع (زاهر) ابن أخته (ريا) فقد أحبّه كأنّه ولده بل وترك له صرة من القروش قبل أنْ يغادر “مدّ يده وراء ظهره ليقبض على صرة بيضاء ثم سلمها إياها”[40]. قال لأخته: “هذه حال[41] زاهر”[42] وعندما رفضت (ريا) أكد لها قائلا: “هذي القروش حال زاهر”[43]. هكذا تظهر صورة الرجل الخال في رواية “الباغ” صورة إيجابيّة على الدوام، على خلاف صورة الرجل العم التي ظهرت سلبيّة في الرواية على الدوام.

ونجد الصورة الإيجابيّة للرجل الزوج ماثلة في شخصيّة (سيف بن راشد) فعندما ماتت زوجته بحمى النفاس عاش على ذكراها ولم يتزوّج بعدها على الرغم من أنّه ما يزال شابًا “قالوا له: تزوّج حرمة تنسّيك وترعى بيتك وأولادك، قالوا له: كل الحريم واحد. لا ما كلهن واحد، قال لهم، وما تخيّل امرأة في بيته غيرها”[44].

ونجد الصورة الإيجابيّة للرجل الزوج ماثلة كذلك في شخصيّة (علي بن زاهر الجويري) زوج (ريّا) فعندما غضب منها لم يستطع هجر فراشها ليلة واحدة، “أراد أنْ ينام في السبلة[45] تلك الليلة، لكنّه لم يستطع، أيهجر فراشه وريا فيه؟ مهما بلغ به الغضب لن يقدر على هجرها أبدًا، يعرف ذلك فيقوم إلى فراشه”[46].

هكذا ظهرت صورة الرجل الزوج وفيًّا لذكرى زوجته المتوفاة في شخصيّة (سيف بن راشد)، وظهرت في صورة الزوج المشفق على مشاعر زوجته في شخصيّة (علي بن زاهر الجويري).

وظهرت صورة الرجل الصديق إيجابيّة في رواية “الباغ”س، ولم تظهر بأيّ صورة أخرى غيرها، ويمكننا أن نلمس تلك الإيجابيّة في شخصية (علي بن زاهر الجويري) صديق (راشد) وتبدو الصداقة بينهما قائمةً على المحبة والصدق والوفاء، ولا شك في أنّ “الحب حين يكون تعاطيّا إنسانيًّا يصبح فاعليّة اجتماعيّة أيضًا”[47].

وتجلّت الصورة الإيجابيّة للرجل الصديق في شخصيّة (علي بن زاهر الجويري) حين اقترح على صديقه أن يتعلم وشجّعه على التعليم إذ قال له: “بعدك تقدر تتعلم”[48] بل وتكفّل بتعليمه فقد “كان علي عند وعده وعلّم راشدًا الكثير، ليس فقط القراءة والكتابة، بل علّمه الحساب وشيئًا من الشعر”[49].

كما نجد إيجابيّة الرجل الصديق في شخصية (علي بن زاهر الجويري) عندما كان متجهًا إلى بيت راشد رأى (ريا) أخت صديقه “لمحها فغض بصره وتوارى تحت ظل أحد الأكواخ حتى غابت داخل البيت”[50]، وهكذا بدت شخصية الرجل الصديق في الرواية صادقًا مخلصًا لصديقه.

تجليات الصورة السلبية للرجل في رواية الباغ

إنّ المتمعّن في تجليّات الصورة السلبيّة للرجل في رواية “الباغ” يجد تنوّعًا كبيرًا في الشخصيات التي ظهرت في صورة سلبيّة إذ استطاعت الكاتبة أنْ تُظهر جملةً من الشخصيّات الرجاليّة في صورة سلبيّة، كشخصية (الرجل الأب)، و(الرجل الابن) و(الرجل الأخ) و(الرجل الزوج) وقد ظهرت هذه الشخصيات في صور مختلفة إلا أنّ شخصية (الرجل العم) في الرواية اقتصرت على الصورة السلبيّة.

وإذا كانت صورة الأب (سيف بن راشد) عند ابنته (ريا) إيجابيّة فإن شخصيّة هذا الأب ذاته تبدو سلبيّةً في نظر ولده (راشد) فقد علّم أخته القرآن  والقصص والأدعية بينما لم يعلمه غير الكدّ في النخيل، تقول الكاتبة على لسان (راشد) مخاطبًا أخته (ريا): “أنتِ علمش القرآن، وقصص الأولين، والأدعية، وأنا ما علّمني شيء غير الكدّ في النخيل”[51]. وهكذا تبدو صورة الأب سلبيّة في نظر ولده؛ إذ حرمه من التعليم من أجل العمل في النخيل، وهذه الصورة يدركها أهل قرية (السراير) جميعًا إذ تقول الكاتبة على لسانهم: “قالوا في القرية إنّ أباها قد نذرها للعلم ونذر راشدًا للنخل”[52].

هكذا انصاع (راشد) لأوامر أبيه الذي نذره للنخل وحرمه من التعليم، وهنا تبدو علاقة راشد بأبيه علاقة هرميّة تقليديّة أساسها التسليم بالأوامر دون نقاش مع أن الأب ظاهريًّا لم يمارس مع الابن العنف والقمع ولكنه استغلّ ما تستوجبه العلاقة الهرميّة التي جرت عليها الأعراف إذ إن “طاعة الأبناء للآباء طاعة شبه مطلقة في علاقة سلطويّة، حيث يتم التواصل بين الأبناء وبين من هم أكبر منهم سنا عموديًّا وليس أفقيًّا”[53].

وعلى الرغم من سلبيّة صورة الأب في نظر ولده (راشد) فإن صورته ظلّت إيجابيّة في نظر ابنته (ريّا) لهذا تجد له عذرًا في عدم تعليم (راشد) إذ تقول: “كلّ واحدٍ وقدراته”[54]، إلا أنّ دفاعها عن أبيها لم يجد قبولا عند (راشد) إذ “حدجها بنظرةٍ فيها غضب”[55].  

ونجد الصورة السلبية للأب في شخصية أخي راشد بن سيف الذي عرض ابنته (صفية) لابن أخيه (راشد) زوجةً مقابل موافقته على زواج أخته (ريا) من ابنه (حميد) “ووعده بتزويجه من ابنته صفيّة في المقابل”[56] هكذا عرض هذا الأب ابتنه (صفية) للمقايضة في سبيل زواج ابنه (حميد) من (ريّا) وكل ذلك طمعًا في ثروتها، ولا شك في أن الكاتبة استطاعت من خلال شخصية هذا الأب وما فعله مع ابنته (صفيّة) “رسم شخصيّة ذكوريّة سلبية على العموم، تتجسّد فيها ثقافة العنف تجاه الأضعف ولا أضعف من الأنثى في بناء الأسرة التي يتحكّم فيها ـعادةـ الذكر المهيمن”[57].  

وكما ظهر الأب في صورة سلبيّة فكذلك ظهر الابن في صورة سلبيّة؛ إذ نجدها ماثلةً في شخصيّة (حميد) ابن عمّ (راشد) و(ريّا)؛ إذ يبدو في الرواية سائرًا على نهج أبيه ولا يخالفه في شيءٍ حتى فيما يتعلّق بزواجه، تقول الكاتبة على لسان (سيف بن راشد): “الآن يطلب أزوجه ريّا؟ يقول أنا أخوك وهذا ولدي ولدك، وولده مثله لا خوفة من الله ولا خشية”[58]، وتتجلّى الصورة سلبيّة لـ(حميد) في كونه يعلم ظلم أبيه ومع هذا يسير على خطاه.

وأما الصورة السلبية للأخ فتتمثّل في شخصية (أخ سيف بن راشد)، ذلك الأخ الذي استغلّ حزن أخيه على موت زوجته ليسيطر على مشيخة القبيلة، فبعد عودة (سيف بن راشد) إلى المجلس “قاموا كلهم ليسلموا عليه، وكان أخوه آخرهم في السلام”[59]. وهكذا عاد (سيف بن راشد) إلى مجلس القبيلة بعد انقطاعٍ عنه بسبب حزنه على موت زوجته “لكن أخاه كان قد احتل مكانه دون أن يُسمَّى بدلا عنه في المشيخة”[60] صارح الأخ القاسي أخاه “عندما اختليا قال له: أنت ما تصلح للمشيخة، قلبك ضعيف، والبلاد تحتاج من ترد له الشور… كيف تخافنا القبايل وأنت هزتك حرمة وغيبتك شهور؟”[61].

أما شخصيّة الرجل العم في رواية “الباغ” فقد تجلّت في صورة واحدة فقط ألا وهي الصورة السلبيّة، وتتمثل في شخصيّة عمّ (راشد) و(ريّا)، ذلك الرجل الطامع في ثروة أبناء أخيه الأيتام، إذ مارس كلّ الحيل للسيطرة على تلك الثروة، وحرص على تزويج ابنة أخيه (ريا) من ولده (حميد) وتزويج ابنته (صفية) من ابن أخيه (راشد) في سبيل الحصول على ثروة اليتيمين، وهذا ما يظهر في قول الكاتبة في حديثها عن (راشد): “راجعه عمّه في زواج حميد من ريّا، ووعده بتزويجه من ابنته صفيّة في المقابل، ثم هدّده بانتزاع نخيل أبيه من يديه غصبًا”[62].

لم يكن العم ليترك أبناء أخيه فقد ختم الطمع على قلبه وتجرّد من الرحمة بهذين اليتيمين، ظن (راشد) أن موضوع الزواج قد انتهى بالإصرار على الرفض “لم يكن يعرف أن لعمه ألف حيلة وحيلة، وأنه منذ أن اختار الدنيا والمشيخة اختار مركبًا صعبًا”[63]. بدأ العم خطة الانتقام من ابن أخيه “داهنه عندما رأى عناده وأدناه منه في المجلس، ثم أعطاه الرسالة إلى الوالي وقال له: ما أستأمن عليها أحد غيرك، خذها، وسلّمها الوالي يدا بيد”[64]، وهكذا “سلم راشد الوالي الرسالة فوجد نفسه محبوسًا في زنزانة الحصن”[65]، ولقد استغل العم جهل ابن أخيه بالكتابة والقراءة وحمّله رسالةً تُلحق به تهمةً شنيعةً، وأمر له فيها بالحبس.

لقد لفّق العم لابن أخيه تهمةً في غاية الخطورة من الناحية الدينية والاجتماعية، “قال له الوالي: عمك أمر لك بحبس لأنّك قحمت بيته، أنت ولد سيف بن راشد العايفي، ولد الشيخ سيف بن راشد! كيف تقحم بيت عمك على خادمة؟ صدق إنه يطلع من ظهر العالم فاسد”[66]. وصدم (راشد) من هذه التهمة الشنيعة “تمنى لو لأنّه اتّهمه بالسرقة أو القتل، تمنى لو أنه أقام عليه الحد ولو زورًا، لكنه اتّهمه بالدناءة، وكشف عورات البيوت”[67].

إن المكيدة التي رسمها العم للتخلّص من ابن أخيه ليست هينة، ولا تُنسى بالتقادم في المجتمع “يقتحم بيت عمه ويتسلل بغية الخادمة! كان يقصدها، كان يعرف أن الناس ستذكر ذلك دائمًا، وأراد أن يجرّده من شرفه، ويسقط وجهه بين الناس”[68]. هكذا ظهرت صورة العمّ سلبيّةً تتصف بالطمع والخبث والظلم، وليست للرجل العمّ صورة غير الصورة السلبية في رواية “الباغ”.

وتنفتح شخصيّة الرجل الزوج على صور كثيرة في الرواية النسويّة “ولربما كان الجانب السلبي أكثر طغيانًا وبروزًا من الجانب الإيجابيّ لصورة الزوج في عديد الإنتاجات الإبداعية النسائية على وجه الخصوص ولعل هذا الأمر عائد بالأساس إلى تركيبة المجتمعات العربية بصفة عامة، فهي مجتمعات ذكورية تنتصر للرجل وتسيطر عليها فكرة الفحولة وهيمنة الذكورة وأحقية هذا الفحل بالقوامة”[69]، إلا أن ما نراه في رواية “الباغ” يخالف ذلك إذ ظهر الرجل الزوج في ثلاث صور مختلفة: نمطيّة وإيجابيّة وسلبيّة، ولم تكن الصورة السلبيّة هي السائدة بل سادت الصورة الإيجابيّة أكثر من الصورتين النمطيّة والسلبيّة كما مرّ بنا سابقًا.

 والصورة السلبيّة للرجل الزوج نادرة في رواية “الباغ” إذ نجدها ماثلةً في شخصيّة (إسماعيل بن عيسى) التاجر العماني الثري الذي تزوّج بابنة شريكه التاجر البحرينيّ التي تصغره بعشر سنوات أو أكثر، فأخذها من البحرين إلى مسقط وغيّر اسمها من (نرجس) إلى (سكينة) وكتب باسمها البستان الذي به بيت “الباغ” الذي أسكنها فيه، كما تقول: “سكنّا فهالبستان[70] وكتبه باسمي وسماني في عقد الزواج (سكينة) ونسيت نرجس، بعدين ناداني الخدم البيبي[71] ونسيت سكينة”[72]. وربما يكون تغيير الزوج لاسم زوجته عادةً عند بعض العمانيّين إلا أنها ليست حميدة إذا لم يكن في الاسم الأصليّ ما يعيب أو ما يشعر بالازدراء، ويلجأ بعض الأزواج إلى المنجمين الذين يعتمدون (حساب الجمّل) لحروف اسم الزوجة لمعرفة درجة موافقتها لاسم زوجها من عدمه فإن لم تكن موائمة على وفق حساباتهم يلجؤون إلى تغيير اسم الزوجة، وهذه اللفتة السريعة إلى هذه العادة في إطار سير أحداث القصة تعدّ براعةً من الكاتبة بشرى خلفان في نقد مبطن لهذه العادة. 

وسلبيّة الرجل الزوج في شخصيّة (إسماعيل بن عيسى) تكون أكثر وضوحًا في شدة غيرته التي جعلته يحرم زوجته من الخروج “كان رجال طيّب لكنّه كان واجد[73] يغار، وحرّم علي الخروج إلا للمأتم أو لمستشفى السعادة، أو للحاجة الشديدة”[74].

وتظهر سلبية الزوج (إسماعيل بن عيسى) في إخفاء زواجه السابق على زوجته الثانية، وهذا يبدو في قولها: “لما توفي عرفت أن له مرة ثانية تسكن بلاد بعيدة اسمها (بركا) ما خبرني عنها ولا أن له أولاد من مرة غيري، ولما مات إسماعيل جوني أولاده البستان يطالبون بمال أبوهم”[75].

هكذا أظهرت بشرى خلفان شخصية الرجل الزوج في ثلاث صور مختلفة من خلال أربع شخصيّات، فظهرت الصورة النمطية للرجل الزوج من خلال شخصيّة (العود) وظهرت الشخصية الإيجابيّة من خلال شخصيتي (سيف بن راشد) و(علي بن زاهر) وظهرت الشخصيّة السلبيّة من خلال شخصيّة (إسماعيل بن عيسى) الذي جمع مع الشخصيّة السلبية شيئًا من الإيجابيّة بكتابة البستان وبيت الباغ باسم زوجته الثانية التي أخفى عنها زواجه الأول.

خاتمة البحث

ومن خلال تتبّعنا لتجليات صورة الرجل في رواية “الباغ” لبشرى خلفان يظهر لنا أنّ الكاتبة لم تضع الرجل في صورة واحدة، بل حاكت الواقع المعيش فجعلته في ثلاث صور مختلفة هي: الصورة النمطيّة، والصورة الإيجابيّة، والصورة السلبيّة، إلا أنّ تفاوتًا واضحًا في إظهار صورة الرجل في كل شخصيّة من شخصيّات الرواية، فمنها ما ظهر في صورٍ ثلاث: نمطيّة، وإيجابيّة، وسلبيّة، ومنها ما اقتصر ظهوره على صورتين، ومنها ما انحصر في صورة واحدة من بداية الرواية إلى نهايتها.  

وهناك شخصيّات في الرواية تجلّت في الصور الثلاث: النمطيّة، والإيجابيّة، والسلبيّة وهي شخصية الرجل الأب، والرجل الابن، والرجل الزوج، بينما تجلّت شخصيّة الرجل الأخ في صورتين: إيجابيّة وسلبيّة، وهناك شخصيّات اقتصر ظهورها على صورة واحدة فقط، فقد اقتصر ظهور شخصيتي الرجل الخال والرجل الصديق على الصورة الإيجابيّة، واقتصر ظهور شخصيّة الرجل العم على الصورة السلبيّة، بينما اقتصر ظهور شخصيّة الرجل العبد على الصورة النمطيّة.

وإن اقتصار ظهور الرجل العم على الصورة السلبيّة واقتصار ظهور الرجل الخال على الصورة الإيجابية في رواية “الباغ” يحمل الكثير من الحمولات المختزنة في تكوين الكاتبة من الناحية الاجتماعيّة، إذ إن المتابع لأحوال المجتمع يشاهد بوضوح أنّ الخال ـ في الغالب ـ أكثر قربًا إلى أبناء أخته من عمهم، وهذه الحمولات المختزنة في العقل الباطن ظهرت في أحداث الرواية ورسم ملامح شخصيّاتها.

واستطاعت بشرى خلفان توظيف تقنيات الحوار والسرد لتظهر لنا شخصيّة الأب في ثلاث صور مختلفة: نمطيّة وسلبيّة وإيجابيّة، ويبدو الأمر سهلا إذا تجلّت الصور الثلاث في شخصيّات مختلفة، إلا أنّ الكاتبة استطاعت أن تبرز الصور الثلاث في شخصيّة واحدة من شخصيّات الرواية وهي شخصيّة (سيف بن راشد العايفي) مستعينة بعناصر السرد، فتمكنت من إبراز هذا التنوع في الصورة دون الإخلال بتماسك الحبكة الروائيّة.

* جامعة نزوى، سلطنة عمان.

[1] الشهواني، هيا ناصر. صورة الرجل في المتخيّل النسوي في الرواية الخليجية (نماذج منتقاة)، (بحث ماجستير). كلية الآداب والعلوم، جامعة قطر، 2013-2014م، ص:10.

[2] جوف، فانسون. أثر الشخصيّة في الرواية، ترجمة: لحسن أحمامة، ط1. دمشق: دار التكوين، 2012م، ص:47.

[3] الشهواني، هيا ناصر. صورة الرجل في المتخيّل النسوي في الرواية الخليجية (نماذج منتقاة). ص:11.

[4] نصر، عاطف جودة. الخيال مفهوماته ووظائفه، ط1. القاهرة: الهيئة المصريّة للكتاب،1984م، ص:11.

[5] الشهواني، هيا ناصر. صورة الرجل في المتخيّل النسوي في الرواية الخليجية (نماذج منتقاة). ص:10.

[6] يمري، بنيلوبي. العبقريّة وتاريخ الفكرة، ترجمة: محمد عبدالوهاب. ط1. الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون، 1996م، ص:200.

[7] الشهواني، هيا ناصر. صورة الرجل في المتخيّل النسوي في الرواية الخليجية (نماذج منتقاة). ص:12.

[8] خلفان، بشرى. الباغ، ط5. كندا: مسعى للنشر والتوزيع، 2020م، ص:77.

[9] المصدر نفسه، ص:27.

[10] (العود) تعني كبير السن ويستعمل في اللهجة الخليجية عامة.

[11] قريات: هي ولاية من ولايات سلطنة عمان.

[12] خلفان، بشرى. الباغ. ص:42.

[13] المصدر نفسه، ص:42.

[14] المصدر نفسه، ص:42.

[15] المصدر نفسه، ص:42.

[16] المصدر نفسه، ص:92.

[17] السبلة: هي مجلس استقبال الرجال.

[18] خلفان، بشرى. الباغ. ص:92.

[19] المصدر نفسه، ص:26.

[20] المصدر نفسه، ص:27.

[21] المصدر نفسه، ص:81.

[22] المصدر نفسه، ص:11.

[23] المصدر نفسه، ص:78.

[24] المصدر نفسه، ص:82.

[25] المصدر نفسه، ص:85.

[26] ناجي، سوسن. صورة الرجل في القصص النسائي، ط1. القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، 2006م، ص:269.

[27] (يا) الواردة في السياق تعني باللهجة العمانيّة (إمّا)، و(رباعة) تعني مع بعض، والجملة تعني (إما أن نصل معا أو يأخذنا الوادي معا).

[28] خلفان، بشرى. الباغ. ص:9.

[29] المصدر نفسه، ص:78.

[30] المصدر نفسه، ص:71.

[31] إنش: لهجة عمانية وتعني (أنك) وهي لهجة عربية معروفة بقلب الكاف شينًا في خطاب المؤنث وتسمى الكشكشة.

[32] البرزة: مجلس الولاة والحكام يلتقون فيه بالرعية وينظرون في شؤون الناس.

[33] خلفان، بشرى. الباغ. ص:72.

[34] المصدر نفسه، ص:82.

[35] المصدر نفسه، ص:83.

[36] التفاق جمع مفرده التفق، ويقصد بها البندقيّة، وهي تسمية شائعة في عمان وفي أغلب دول الخليج العربي.

[37] خلفان، بشرى. الباغ. ص:83.

[38] المصدر نفسه، ص:83.

[39] المصدر نفسه، ص:85.

[40] المصدر نفسه، ص:109.

[41] كلمة (حال) مثابة لام الملكية في اللهجة العمانيّة، (حال زاهر) أي (لزاهر) أو (ملك زاهر). 

[42] خلفان، بشرى. الباغ. ص:109.

[43] المصدر نفسه، ص:109.

[44] المصدر نفسه، ص:91.

[45] السبلة: في اللهجة العمانيّة هي مجلس استقبال الضيوف من الرجال.

[46] خلفان، بشرى. الباغ. ص:140.

[47] مينة، حنا. حوارات وأحاديث في الحياة والكتابة والرواية، ط1. لبنان: دار الفكر الجديد، 1992م، ص:132.

[48] خلفان، بشرى. الباغ. ص:69.

[49] المصدر نفسه، ص:69.

[50] المصدر نفسه، ص:70.

[51] المصدر نفسه، ص:12.

[52] المصدر نفسه، ص:80.

[53] الشريم، عدنان علي. الأب في الرواية العربية المعاصرة، ط1. الأردن: عالم الكتب الحديث،2008م، ص:23.

[54] خلفان، بشرى. الباغ. ص:12.

[55] المصدر نفسه، ص: 12.

[56] المصدر نفسه، ص:78.

[57] المناصرة، حسين. مقاربات في السرد، ط1. الأردن: عالم الكتب الحديث للنشر والتوزيع، 2021م، ص:67.

[58] خلفان، بشرى. الباغ. ص:78.

[59] المصدر نفسه، ص:92.

[60] المصدر نفسه، ص:92.

[61] المصدر نفسه، ص:92-93.

[62] المصدر نفسه، ص:78.

[63] المصدر نفسه، ص:78.

[64] المصدر نفسه، ص:78.

[65] المصدر نفسه، ص:78.

[66] المصدر نفسه، ص:78.

[67] المصدر نفسه، ص:79.

[68] المصدر نفسه، ص:79.

[69] بولوسة، جهاد، وسهيلة حمدي. صورة الرجل في رواية لن يمس قلبي بشر لسهيلة قواسمة، (مذكرة الماجستير)، جامعة الشهيد حمه لخضر، الجزائر، 2017ـ-2018م، ص:47-48.

[70] (سكنّا فهالبستان) لهجة بحرينية أي سكنا في هذا البستان.

[71] البيبي، تعني السيدة.

[72] خلفان، بشرى. الباغ. ص:121.

[73] واجد: تعني كثيرا باللهجة العمانية والخليجية عامة.

[74] خلفان، بشرى. الباغ. ص:122.

[75] المصدر نفسه، ص:123.

المصادر والمراجع

  • بولوسة، جهاد، وسهيلة حمدي. صورة الرجل في رواية لن يمس قلبي بشر لسهيلة قواسمة، (مذكرة لنيل الماجستير). جامعة الشهيد حمه لخضر، الجزائر، 2017-2018م
  • جوف، فانسون. أثر الشخصية في الرواية، ترجمة: لحسن أحمامة، ط1. دمشق: دار التكوين، 2012م.
  • خلفان، بشرى. الباغ، ط5. كندا: مسعى للنشر والتوزيع، 2020م.
  • الشريم، عدنان علي. الأب في الرواية العربية المعاصرة، ط1. الأردن: عالم الكتب الحديث، 2008م.
  • الشهواني، هيا ناصر. صورة الرجل في المتخيل النسوي في الرواية الخليجية (نماذج منتقاة)، (بحث ماجستير)، كلية الآداب والعلوم، جامعة قطر، 2013-2014م.
  • المناصرة، حسين. مقاربات في السرد، ط1. الأردن: عالم الكتب الحديث للنشر والتوزيع، 2021م.
  • مينة، حنا. حوارات وأحاديث في الحياة والكتابة والرواية، ط1. بيروت: دار الفكر الجديد، 1992م.
  • ناجي، سوسن. صورة الرجل في القصص النسائي، ط1. القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، 2006م.
  • نصر، عاطف جودة. الخيال مفهوماته ووظائفه، ط1. القاهرة: الهيئة المصريّة للكتاب، 1984م.
  • يمري، بنيلوبي. العبقريّة وتاريخ الفكرة، ط1، ترجمة: محمد عبدالوهاب. الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون، 1996م.

تحميل البحث