حاورها: محمد محبوب عالم*
سنتعرف في السطور التالية على مبدعة وأديبة متميزة لها شهرة في مجال أدب الأطفال وصحافتهم، وهي ثريا عبد البديع. ثريا عبد البديع كاتبة مصرية للأطفال، وهي من مواليد عام 1968م، وحاصلة على ليسانس الآداب والتربية من قسم اللغة العربية بجامعة عين شمس، القاهرة، عام 1990م، وعملت بالتدريس منذ أن تخرجت حتى عام 2003م. ولها ارتباطات علمية وأدبية عديدة، وعضوية في لجان مختلفة، فكانت رئيس شعبة أدب الطفل بنقابة الكتاب، وعضوًا في لجنة العلاقات الإنسانية. شاركت في الندوات والمحاضرات وورش العمل، كما تم تكريمها بالجوائز والشهادات اعترافًا بجهودها المشكورة في خدمة الساحة الأدبية للأطفال.
لا تزال تقدِّم ثريا عبد البديع مساهمةً فعالة في مجال أدب الأطفال وصحافتهم بإنتاجاتها القصصية منذ وقت طويل، فإنها تشارك بأعمالها الأدبية للأطفال في مجلات مختلفة صادرة في دول عربية شتى، ومنها: مجلة “قطر الندى” المصرية الصادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، ومجلة “نور” المصرية الصادرة عن المنظمة العالمية لخريجي الأزهر، ومجلة “العربي الصغير” الكويتية الصادرة عن وزارة الإعلام بالكويت، وغيرها من المجلات الأخرى الموجّهة إلى الأطفال.
وإلى جانب إبداعاتها القصصية المنشورة في المجلات، لها كتب كثيرة للأطفال تزيد على 65 كتابًا، ومن أهمها: “أمير في بلاد الأقزام” و”ضوء النهار والملك زنكار” و”الشوارع الخلفية” و”ابن الخياط” و”بيت جديد” و”سلمى واللعب” و”عيد ميلاد دَبْدُوب” و”متى تغضب يا نيل” و”غناء في البيت المهجور” و”حكايات الجد عمران” و”جدي يتعلم الكبيوتر” و”الساحر عصفور” و”في حديقة الحيوانات” و”لا أريد أن أنام” و”معا في السوق” و”العصفور والأسد”، و”من يوقظ الشمس”… كما كتبت سلاسل عديدةً موجهةً للأطفال الصغار، ومن أهمها: سلسلة “جنة الحكايات”، وسلسلة “حكايات النرجس”، وسلسلة “حكايات صبيان وبنات”، وسلسلة “حكايات السمسم” وسلسلة “حكايات العرب” وسلسلة “مع جدي”…
وتجدر الإشارة إلى أن جميع أعمالها الأدبية تهدف إلى تربية الأطفال تربية إسلامية، وزرع القيم الأخلاقية والاجتماعية في نفوسهم، وإثراء قاموسهم اللغوي، وتنمية ذوقهم الأدبي.
*****
س. متى بدأت مسيرة أدب الأطفال وكيف اكتشفت موهبتك في الكتابة للأطفال؟
ج. في الحقيقة إنني كنت مشاركة وأنا في طفولتي في الجماعة الأدبية بالمدرسة وكنت متقدمة جدًا في اللغة العربية. وظهرت أوّل بكورة لي في الإبداعات الأدبية عند اشتراكي في الجماعة الأدبية بالمدرسة وأنا في المرحلة الثانوية، وألّفت ثلاثة أعمال باللغة الإنجليزية التي قمت بترجمتها إلى العربية أيضًا، وكانت هذه الأعمال للأطفال لكني لم أدرك وقتها أن هذه الأعمال هي للأطفال، لم تكن الأمور واضحة تمامًا لدي، وفزت في مسابقة على مستوى المدارس، لكن لم أواصل للأسف مراعاة هذه الموهبة ولم أنتبه إليها جيدًا ونسيت تمامًا في عمق نفس ما. وبعد ذلك ظهرت مرة أخرى بعد إنجاب أولادي وكنت أؤلّف لهم عندما أحكي لهم حكايات. وكنت أؤلّف لهم الحكايات ولست معتمدة على كتاب ولم أكن معتمدة على القصص القديمة ولكن كنت أقوم بالتأليف لهم. ولكن من الناحية الاحترافية فقد ظهرت موهبتي بشكل جليل عندما اكتشفني الأديب الكبير أنيس منصور وذلك عندما قدمت إليه كتابتي كلها فقال لي: “أنت تستطيعين الكتابة” -جملة واحدة قالها لي- ومن هنا بدأت وعرفت جيدًا أنني أستطيع الكتابة، ودفعتني هذه الجملة المهمة من كاتب كبير له شهرة في العالم إلى ذلك، وقدّمت إليه خمسين كتابًا ليحتفي بي مرة ثانية الأديب الكبير أنيس منصور.
س. عامة تسهم كتب وشخصيات في التكوين الأدبي والثقافي لمبدع… حدثيني عن أهم الكتب والشخصيات التي أثرت في مسيرتك الإبداعية للأطفال؟
ج. الشخصية الأولى كانت أستاذي د. محسن قدرة وهو كاتب للأطفال وأستاذ في جامعة عين شمس، وأيضًا الأستاذ أنيس منصور، هو صاحب الكلمة الأولى في كتابتي أو الدفعة الأولى. ومن الكتب التي لها التأثير الكبير في نفسي؛ كان كتاب “ألف ليلة وليلة”، ورواية الطفل المترجَمة اسمها “بامبي” وكثير من الكتب الأخرى التي لا يمكن حصرها الآن.
س. ما هي المواضيع التي تعالجينها في كتاباتك؟
ج. إنني لا أتقيد أبدًا بموضوع بعينه ولكن تشغلني دائمًا الأخلاق، فأنا صاحبة الخلفية التربوية وقد درست التربية وأني أدعم دائمًا الطفل بالموضوعات الأخلاقية والسلوكية، فإنه يشغلني الإنسان، تنمية شخصية الطفل، الإنسان بشكل عام، الأخلاقي، الودود، المحب، المتعايش مع الآخرين، الطفل الفاعل الذي لا يتلقى دائمًا المعلومات ولكنه يسعى إليها، يسعى نحو المعرفة، وجميع أعمالي دائمًا تتكوّن بالتجربة، وأنا دائمًا أعرض الطفل الذي يصحبني في أي عمل إلى التجربة.
س. ما هي الجوائز التي حازتها مؤلفاتك؟ وهل ترين أن الجوائز في الوقت الحاضر تصل إلى من يستحقها؟
ج. إنني لم أكن منتبهة أبدًا إلى الجوائز، وأحرص على الكتابة والنشر فقط، ولكن في أول بداياتي تقدم لي أحد الأصدقاء إلى المسابقة، وهذا الصديق كاتب وناشر، وقد نشر لي أول كتاب. وفعلاً حصلت على الجوائز عام 1999م وعام 2000م في مسابقة وزارة الثقافة. وكانت هذه الجوائز لتقدم للمبتدعين والناشئين من الكتاب.
في الحقيقة مع متابعة الجوائز فهناك جوائز عربية كثيرة جدًا تصل إلى مستحقها، وهنا جوائز تؤثر عليها السياسة بشكل كبير، لكن ليس كل السياسة، والأعمال الفائزة لا تنال حظها، والمسألة هي هل يتم نشر هذه الأعمال الفائزة أم لا…؟ ونتمنى أن تعمل الجهات المشرفة أو الداعمة على نشر الأعمال الفائزة بشكل جيد في جميع أنحاء العالم.
س. هل تعتقدين بأن التكنولوجيا الحديثة قد أدت إلى تقلص رغبة الأطفال في كتب القصص أو سيبقون محبين لكتب القصص؟
ج. في الحقيقة قضية التكنولوجيا هي ليست خاصة بالطفل ولا بالكتاب فقط ولكنها قضية مجتمعية صحية وثقافية ونفسية، ويجب تقنين التعامل مع التكنولوجيا والرقمية بشكل عام مع الطفل لما فيها من تأثير سيئ جدا عليه صحيًا ونفسيًا وثقافيًا وليس تأثيرها على الكتاب فقط.
يمكن دخول الكتاب في التكنولوجيا والكتاب موجود على المنصات الإلكترونية وأعتقد أن هذا يدعم الكتاب. أم السؤال هل يدعم الكتاب الورقي أم لا، فأعتقد أن رغم وجود التكنولوجيا فإن المساحة موجودة للكتاب الورقي لم يتم إلغاؤها لأن خطورة التكنولوجيا تتضح الآن للوالدين والمربين، والمفترض أن يحرصوا على تقنين بقاء أطفالهم مع هذه الآلات التي أعتقدها يثبت تدريجيًا أنها تجلب ضررًا كبيرًا.
س. يقال إن معظم القصص الموجهة إلى الأطفال في الوطن العربي متشابهة وخالية من عناصر الطرافة والإبداع والتجديد. ما رأيك؟
ج. في الحقيقة إن المتفحص للكتب في الوطن العربي يلحظ أن هناك كثيرا من التنوع والاختلاف ففعلاً ربما يكون هناك نوع من التشابه ولكن هذا يحدث عند قليل من الشباب المتابعين لمواقع التواصل الاجتماعي والمتابعين للقراءات على شبكة التواصل، فربما يكون هناك يحدث التشابه، المهم أن لا نحكم حكمًا عامًا والمهم جدًا أن نقرأ ونعمل ببلوغرافيًا حقيقيًا، لا يمكننا أن نحكم ونقول أن هناك التشابه، إذا حدث التشابه، سيكون التشابه عالميًا لأننا نحن منفتحون على موضوعات العالم فربما يأتي التشابه من هنا. ولا خشية على كتابات الأطفال لأن الاطلاع أو الانفتاح على العالم قد يكون جيدًا كما تكون الترجمة، فالترجمة ليست خطرًا، إذا نظرنا إلى ذلك فلن نترجم، وإذا قلنا إنه لا يجب أن نترجم حتى لا نتأثر وحتى لا نتشابه مع غيرنا فسنغلق على أنفسنا.
س. يُلاحظ أن كثيرا من مجلات الأطفال الصادرة في الدول العربية تحجب عن أنظار القراء الصغار بعد فترة قصيرة أو طويلة منذ انطلاقها، ما هو السبب وراء ذلك، هو قلة الدعم المالي والبشري أو قلة رغبة القراء الصغار في مطالعتها…؟
ج. هذا للأسف نظرًا لقلة الدعم، لا أقول أكثر من ذلك إن قلة الدعم هو السبب الرئيس في ذلك. إن الحكومات لا تهتم بشكل كبير بكل ما يتعلق بالطفل سواء كان تعليمًا أو ثقافة أو صحة أو كل ما يكون له التأثير على الطفل، وذلك لأن الطفل هو الكائن البسيط الذي لا صوت له وليست له مطالب فإذًا عندما تتقلص الإنفاقات فإنهم يأتون على صفحات الأطفال ويقلصون صفحات الأطفال ومجلات الأطفال ويقللون من إنفاق على كل ما يتعلق بهذا الجمهور في جميع الوزارات.
س. بعض مجلات الأطفال تعتمد على القصص المصورة/السيناريوهات بوفرة في كل عدد منأعدادها، كيف ترين كثرةَ السيناريوهات في المجلات من حيث إثراء القاموس اللغوي وتنمية مداركهم، وتزويدهم بالقيم الأخلاقية والاجتماعية؟
ج. بشكل عام إن هذه السيناريوهات وفق التوجهات ووفق الكتابة فهناك كتابة لها فائدة أخلاقية وفائدة تربوية وتزوِّدهم بالقيم الأخلاقية وتثقّفهم وتوسِّع مداركهم وفق المواقف التي يتعرض لها أصحاب هذه السيناريوهات، وكُتّاب السيناريو قد يجيدون الكتابة السردية والكتابة السردية فن مختلف تماما عن فن كتابة السيناريو، وهذه حرفة وهذه حرفة. كاتب السيناريو قد لا يجيد السرد لكن كثير من كتاب السرد يجيدون كتابة السيناريو أو كتابة القصص المصورة، ولكن الآن نتحدث عن القيم الأخلاقية فكتابة السيناريو تمنح بعض القيم وبعض الأخلاقيات في هذه القصص ولكن قد تكون منبعًا ضعيفًا من الناحية اللغوية. فإن كتاب المجلات وأصحاب المجلات والمشرفين عليها يفضّلون ما يحبه الأطفال وما يعجبون به وهو كتابة السيناريو والقصص المصورة، وأغلب الأطفال يفضّلون القصص المصورة لكنها فعلاً أضعف من الناحية اللغوية. وقد تكون القصة السردية هي أكثر دعمًا للغة، ودعمًا للخيال والإثراء اللغوي. ولكن كل هذا النوع الأدبي سواء السيناريوهات أو القصص السردية لها فوائدها ولكن هو كيف يتم التناول، وكيف تدار الفكرة.
س. هل تختلف الكتابة للأطفال عن الكتابة لليافعين؟
ج. إن الطفل يتم تقسيم عمره إلى ثلاثة أقسام في أثناء الكتابة، أولاً الفترة ما قبل المدرسة وهي حتى السادسة وهذه طفولة مبكرة، ثانيًا الطفولة المتوسطة وهي من سن السادسة حتى التاسعة، بعده ندخل إلى اليافعين وهي مرحلة من التاسعة حتى الثانية عشرة، وبعد الثانية عشرة أو حتى بعد الرابعة عشرة هذا سن اليافعين. الكتابة لليافعين هي جزء من الكتابة للأطفال، وهذه الكتابة تكون لها مواصفات معينة تكون أكثر اتساعًا من الناحية اللغوية وغير مقيدة جدًا كما هي مقيدة في الموضوعات الصغيرة أو الفئة الصغيرة، ففيها تتنوع الموضوعات وتتسع اللغة. كما يكون الكاتب أكثر تحررًا وأكثر انطلاقًا من العمر الصغير. وممكن أن تكون القصة طويلة فهو الآن يمكنه القراءة نحو خمسين صفحة أو مائة صفحة لأن الطفل تتسع مداركه والموضوعات تتسع… ويمكننا أيضًا التطرق إلى موضوعات اجتماعية وواقعية وخيالية. وكل الموضوعات والخلفيات إذًا تكون لحل مشكلات اليافعين في هذه الفترة، من حيث حل المشكلات النفسية أو الاجتماعية، وكل الأمور التي يواجهها الطفل يمكن مناقشتها في هذه السن.
س. هل تهتم المرأة بالكتابة للأطفال أكثر من الرجل؟
ج. الكتابة للطفل فيها كثير من القرب يعني لم تتمكن من الكتابة للأطفال إلا إن كان هناك نوع من الخبرات المعينة والقرب من هذه الموضوعات، فهذا ربما يتيسر أكثر للمرأة من الرجل. والعلاقة بين المرأة والطفل هي قد تكون أقوى، قد تكون هناك مساحة أعمق، لأن هناك أوقات مشتركة طويلة بين الطفل ووالدته، قد تكون طبيعة المرأة هي قريبة من الطفل أكثر، ولكن الرجل قد تكون له موضوعات متنوعة ومختلفة عن ذاك.
س. ما هي أعمالك التي صدرت حاليًا، وما هي طموحاتك القادمة في مجال الكتابة للأطفال؟
ج. وأما آخر إصداراتي لسنة 2020م فصدر عن دار المعارف لسن السادسة كتاب اسمه “كبيرة لأول مرة” هي قصة للفتاة الصغيرة في سن الروضة، وكتاب اسمه “نمر يأكل العشب” أنا أقوم حاليًا بعمل على سلسلة اسمها “السلسلة التربوية”، وهي تحكي كل الموضوعات ولكن أنا أرفقها بورقة الإرشاد التربوي للوالدين والمربيين، وأبين فيها القيم السلوكية والأخلاقية وبعض المفاتيح والإرشادات الذهبية للوالدين ليقوموا بالتعامل والتفاعل مع العمل الأدبي بشكل جيد، ويثمروا ما نرجوهم من النهضة الأخلاقية والسلوكية والتربوية.
س. إن سألك أحد كيف يصبح كاتب ناجحًا للأطفال فبماذا تنصحينه؟
ج. في الحقيقة إنه يجب أن يكون كاتب موسوعًا حتى يكتب في الموضوعات المختلفة، وأن يقرأ بشكل جيّد في التربية، والتربية النفسية، وفي علم التربية بشكل عام، ليستطيع الاطلاع على كل ما هو جديد والمدارس الجديدة في هذا العلم وليستطيع التعرّف على نفسية الأطفال الذين يكتب لهم.
ثانيًا أن يكون متواصلاً جيدًا مع الطفل بداخله وألا يقتله بكثرة الانشغالات وكثرة الصراعات وكثرة السعي نحو التسابق على الأمور المادية فإن هذه الأمور تقتل الطفل داخل الكاتب، فلا بد أن يكون متواصلاً جيدًا مع الطفل بداخله وأن يبقى على هذه الطفولة وهو السبيل الوحيد للكتابة الجيدة.
وأخيرًا أتقدم بجزيل الشكر والعرفان إليك على منح هذه الفرصة لمناقشة بعض الأمور المرتبطة بأدب الأطفال وصحافتهم.
*باحث، مركز الدراسات العربية والإفريقية، جامعة جواهر لال نهرو، نيو دلهي، الهند.