قصص الأطفال في دولة الإمارات العربية المتحدة (المضامين والرؤى)

د. بديعة خليل الهاشمي*

ملخص البحث

تولي قيادة دولة الإمارات العربية المتحدة أدب الأطفال اهتمامًا كبيرًا، ويظهر ذلك جليًّا من خلال مجموعة كبيرة من المبادرات والفعاليات التي تنظمها المؤسسات التعليمية والثقافية في الدولة. ويسعى هذا البحث إلى عرض محورين أساسيين. أولهما: تقديم صورة شاملة عن أدب الطفل في دولة الإمارات بشكل عام والفن القصصي بشكل خاص، من خلال إلقاء الضوء على أبرز المبادرات والفعاليات التي ساهمت في تطوّر أدب الأطفال في دولة الإمارات وازدهاره، وتهدف إلى إكسابه المكانة الجديرة به. أما المحور الآخر فهو: الكشف عن أهم المضامين التي يحرص كتّاب قصص الأطفال في دولة الإمارات على تقديمها للطفل الإماراتي، وذلك من خلال عرض مجموعة من النماذج القصصية التي أبدعها كتّاب من دولة الإمارات، موظفًا في ذلك المنهج الوصفي التحليلي.

كلمات مفتاحية: الأطفال، الإمارات، القصص، المبادرات، المضمون.

Abstract

The leadership in the United Arab Emirates attaches great attention to children’s literature, and it is evident through a wide range of initiatives and events organized by the educational and cultural institutions in the country. This research aims to present two main axes. The first axis is to provide a comprehensive picture of children’s literature in the UAE, and the second axis is to reveal the most important contents that children’s story writers in the UAE are keen to present to the Emirati child, through a set of story models written by the writers of the UAE. In this research, the description analytical approach would be adopted.

مقدمة

لقد نشأ أدب الأطفال في دولة الإمارات العربية المتحدة في أحضان أدب الكبار، شأنه في ذلك شأن أدب الأطفال في دول العالم، ولم يستقل عنه بشكل تام إلا بعد قيام الاتحاد عام 1971م وانتشار التعليم، ونمو الحركة الثقافية والفكرية والأدبية في الدولة. أما قبل ذلك فقد كان الأدب الموجه للطفل يحكى شفاهة، تتناقله الأجيال جيلاً بعد جيل.

وقد كان هذا الأدب متمثلاً في الأشعار التي ترددها الأمهات لأطفالهن قبل النوم. بالإضافة إلى بعض القصص الشعبية التي كانت تسمى بـ”الخروفة”؛ إذ تحكي الجدة أو الأم لأطفالها قبل النوم أخبار الغواصين ومغامرات البحارة، بغرض التسلية وزرع القيم والأخلاق في نفوسهم؛ وقد كان الغرض الأساسي منها التربية والتسلية في الوقت ذاته.

“أما الأدب المكتوب فيرجع البعض بداياته إلى محاولات كتابة القصة في أواخر الستينات وفي بداية السبعينات من القرن العشرين على يد جيل مخضرم عاش ما قبل النفط وحياة المدنية الحديثة. وقد ساعد على ذلك نمو الوعي الثقافي لدى أبناء الدولة، وإنشاء الكثير من الأندية الرياضية التي شكلت لجانًا ثقافية ذات نشاطات أدبية، بالإضافة إلى الاهتمام بإنشاء المكتبات العامة، وصدور مجلات متخصصة في تقديم الأدب للأطفال، واهتمام الصحف اليومية بأدب الأطفال، وتخصيص صفحات لهذا الأمر، وانتشار التعليم والإقبال عليه من قبل أبناء الدولة”[1].

قصص الأطفال في دولة الإمارات (الواقع والرؤى المستقبلية)

لقد شهدت الساحة الأدبية في دولة الإمارات نشاطًا واسعًا في مجال الكتابة القصصية للطفل، فقد برزت العديد من الأقلام الجادة والجديدة في هذا المجال. ومما فتح باب التنافس بين الكتّاب وجود العديد من المشاريع وورش الكتابة الإبداعيّة والمسابقات التي تطرحها المؤسسات الثقافية في الدولة؛ والتي تسهم بدورها في تشجيعهم على الكتابة للطفل، ومن تلك المسابقات:

ـ مسابقة القصة القصيرة التي تنظمها وزارة الثقافة وتنمية المعرفة.

ـ مسابقة مراكز الأطفال والناشئة التي ينظمها المجلس الأعلى لشؤون الأسرة بالشارقة.

ـ جائزة الشيخ زايد للكتاب (فرع كتاب الطفل).

ـ جائزة الشيخة لطيفة  بنت محمد بن راشد لإبداعات الطفولة.

ـ جائزة اتصالات لكتاب الطفل.

ـ جائزة القصة القصيرة التي ينظمها مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث.

ـ جائزة الشيخ راشد بن حميد للثقافة والعلوم (فرع أدب الأطفال).

ـ جائزة الشارقة لإبداعات المرأة الخليجية (فرع أدب الأطفال).

كما تلعب المجلات الموجهة للطفل دورًا مهمًا في تشجيع الكتّاب، فهي تضمن وصول إنتاجهم القصصي إلى جمهورهم على أوسع نطاق. وهو ما توفر للكتاب في دولة الإمارات من خلال عدد من المجلات، ومنها مجلة ماجد التي تعدّ من المجلات العربيّة الرائدة، التي تعنى بتقديم التسلية والمتعة للطفل بجانب الفائدة والتعليم.

وعلى صعيد النشر والطباعة ظهرت دور نشر محلّية متخصصة في طباعة كتب الأطفال ونشرها، وما يميّزها اعتناء أصحابها بإصداراتهم من ناحية المضامين المقدّمة للطفل، وبالإخراج الفني المتميز؛ لجذب الطفل وإمتاعه وإفادته من ناحية، وتشجيع الكتّاب وحثّهم على الكتابة للطفل من ناحية أخرى. منها: دار كلمات، ودار الهدهد، ودار أشجار، ودار سما، ودار الفلك.

وتجدر الإشارة هنا إلى اهتمام وزارة التربية والتعليم في الدولة بالإنتاج الأدبي للأطفال، إذ اعتنت وحدات تأليف الكتب المدرسيّة بدمج الإنتاج القصصي العربي والمحلّي في كتب ومناهج اللغة العربية. فهي تدرك دور القصص التعليمي والتوجيهي، وقدرتها على تقديم المحتوى العلمي والأخلاقي والتربوي بشكل مبسّط وممتع في الآن ذاته، خاصة وأن الطفل مجبول على حبّ القصص والحكايات، يتعلّق بعوالمها سريعًا، ويرى نفسه من خلال شخصياتها ويتأثر بأفعالها وأقوالها.

لا ينفصل الإبداع عن النقد والدراسة والتحليل، لذا أولت المؤسسات الثقافية بالدولة أدب الطفل الاهتمام ذاته الذي منحته للأنواع الأدبيّة الأخرى، كالرواية والشعر والقصة القصيرة. فكان لأدب الطفل في الإمارات نصيب من الندوات والملتقيات التي يشارك فيها المختصون لدراسة ونقد ما يقدّم للطفل، والسير جنبًا إلى جنب مع الإصدارات الجديدة. وفي هذا السياق لا تفوتنا الإشارة إلى فعالية ثقافية متميّزة، تعقد سنويًّا في إمارة الشارقة، وهي مهرجان الشارقة القرائي للطفل. وهو مهرجان سنوي تنظم برامجه وفعالياته بهدف جذب الأطفال إلى عالم القصص والأدب والقراءة. يضم المهرجان معرضًا لكتاب الطفل، وعروضًا مسرحية مشوقة، وجلسات قرائية يلتقي فيها كتّاب القصص بالأطفال، فيقرؤون لهم قصصهم ويعقدون الورش الفنية والحوارية حولها. ولا يغفل القائمون على المهرجان دور المتخصصين والباحثين في أدب الطفل، فيستضافون في جلسات نقاشية وندوات علمية لمناقشة قضايا أدب الطفل وثقافته. 

كما لم تغفل المؤسسات الثقافيّة في الإمارات عقد ورش العمل الإبداعية والبرامج التدريبية للأخذ بيد الكتّاب المبتدئين -من الصغار والكبار- في مجال كتابة قصص الأطفال، وتعريفهم بأسس الكتابة القصصية للطفل. ومن تلك البرامج ورشة أدب الأطفال في برنامج دبي الدّولي للكتابة، وقد نتجت عنه العديد من الإصدارات القصصية التي أثبتت جودتها الفنية العالية، إذ فاز بعضها بجوائز أدبيّة، كما قُرّر بعضها ضمن دروس مناهج اللغة العربية في الدولة.

ويعود هذا الاهتمام الذي أولته دولة الإمارات بأدب الأطفال إلى إيمانها العميق بأهمية القصص في ترسيخ القيم والمبادئ الأصيلة في نفس الطفل، ودورها الكبير في بناء شخصيته. ولا أدلّ على ذلك من اهتمام قادة الدولة أنفسهم بالخطاب الموجه للطفل من خلال إسهامهم المتميّز في كتابته وإبداعه. فقد كتب صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي عددًا من قصص الأطفال، تحكي لهم تاريخ وطنهم، وتربطهم بماضيهم وتراثهم، وتعرّفهم قصّة الاتحاد والقادة الذين أسهموا في بناء الوطن وتأسيسه. من تلك القصص: قصة “القائدان البطلان” الصادرة عام 2015م، ومجموعة “عالمي الصغير” القصصيّة الصادرة عام 2021م.

مضامين قصص الأطفال في دولة الإمارات العربية المتحدة

إن قصة الطفل تمنحه الشعور بالمتعة والبهجة، وتنمي لديه القدرة على الإبداع والابتكار وتثري خياله، كما تتضمن الأغراض الأخلاقية أو اللغوية أو كليهما معًا. ولذلك كانت لها أهميتها من النواحي الثقافية، والاجتماعية، والعقلية، والتربوية، والجمالية، والتاريخية، والوجدانية، والمعرفية، واللغوية. ويظهر ذلك جليًّا من خلال المضامين التي تنطوي عليها، والتي تهدف إلى تعليم الطفل وتربيته وإكسابه السلوك الحسن وإبعاده عن السلوك السيئ. وكل ذلك يجب أن يكون بأسلوب شائق ممتع وجاذب للطفل، بعيد عن الوعظ والتلقين المباشر. 

فالمضمون القصصي هو الأساس الذي يقوم عليه البناء الفني للقصة، وهو الذي يكشف عن هدف الكاتب وغرضه. وإذا كان الشكل الفني هو الوعاء، فإن المضمون هو الشيء الذي يحتويه هذا الوعاء. “فأحداث القصة تمضي وتتفاعل، والشخصيات تتحرك وتتكلم وكأنهم يمارسون حياة حقيقية، لكن الحدث لا ينطلق عشوائيًا، والشخصيات لا تتصرّف ارتجالاً أو اعتباطًا. فوراء كلّ حركة وسكنة في القصة هدف أو تعبير عن معنى، عن فكرة، عن موضوع، والتوازن الفني بين الشكل والموضوع هو المعادلة الدقيقة الحسّاسة لكاتب القصة”[2].

وعن أهمية مضامين قصص الأطفال ودورها التربوي يقول الناقد د. علي الحديدي: “لا تكون غاية أدب الأطفال هي إذكاء الخيال عند الصغار فقط، ولكنها تتعداه إلى تزويدهم بالمعلومات العلمية، والنظم السياسية، والتقاليد الاجتماعية، والعواطف الدينية والوطنية، وإلى توسيع قاموس اللغة عندهم وإمدادهم بعادة التفكير المنظم، ووصلهم بركب الثقافة والحضارة من حولهم”[3].

ومن هذا المنطلق اهتمّ كتّاب القصة في الإمارات بالمضمون الذي يقدمونه للطفل، خاصة وأن مرحلة الطفولة هي المرحلة المناسبة لغرس القيم والأخلاق والبناء المعرفي والتربوي.

وفيما يلي سنلقي الضوء على أبرز المضامين التي اعتنى بها كتّاب قصة الطفل في دولة الإمارات، وقاموا بصياغتها صياغة فنيّة تتناسب مع عالم الأطفال ومستواهم الفكري والإدراكي واللغوي.

المضمون الوطني والتاريخي

لما كانت القصة من أحب الفنون الأدبية إلى نفس الطفل، وأكثرها جاذبية وإمتاعًا واستثارةً لمشاعره، وأشدها تأثيرًا في سلوكه القيمي والأخلاقي، فإنه من المهم أن يستثمرها الكتّاب في بث الروح الوطنية والانتماء، وحب الوطن والاعتزاز به والدفاع عنه، وتعزيز الارتباط به منذ نعومة الأظفار.

وقد انتبه الكتّاب في الإمارات إلى هذا الأمر، فانعكس ذلك على مضامين قصصهم التي يقدمونها للأطفال، لتعزيز الانتماء للأرض والوطن، وربط الطفل بتاريخه وماضيه، ليفخر بقادته ومؤسسي دولته، ويتغنى بأفراحه ويعتز بإنجازاته. ومن أبرز تلك المضامين الاحتفاء باليوم الوطني، فقد اتخذت بعض القصص من هذا الموضوع هدفًا أساسيًا لتقوية انتماء الطفل وتعزيز هويته الوطنية، ووسيلة للتعبير عن حب الوطن والإخلاص له ولقادته.

من القصص التي تستذكر الحدث الأهم في تاريخ دولة الإمارات -ألا وهو الاتحاد-ضمن أحداثها ليبعث في نفوس الأطفال على الفخر والاعتزاز، ويذكّرهم بجهود القادة المؤسسين، قصة بعنوان “بابا زايد” للكاتبة الإماراتية صالحة غابش. تروي القصة سيرة المغفور له -بإذن الله- الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، فتبدأ بسرد مبسط عن طفولة الشيخ زايد ونشأته، والبيئة التي تربى فيها، وهواياته التي كان يمارسها، وانعكاس ذلك كله على شخصيته التي كانت تطمح دائمًا إلى تحقيق الأفضل لشعبه:

“في طفولته بدأ الشيخ زايد يحفظ القرآن الكريم، وكان يحب الاستماع إلى سيرة الرسول ـصلّى الله عليه وسلّمـ كما كان يحب أن يجلس مع الكبار في مجالسهم كي يتعلم، وكان يسأل كثيرًا كي يفهم، وأصبح معروفًا بأنه الطفل الذي يفكر كما يفكّر الكبار”[4].

“ونشأ في بيئة بدوية بين الصحراء والخيام والصقور والغزلان، فتعلّم الحكمة والصبر والشجاعة.. هذا ما يتعلمه الناس في الصحراء”[5].

“تعلّم الشيخ زايد من والده أن الرجل يجب أن يكون شجاعًا وعادلاً وذكيًّا وكريمًا، وفهم أنّ الذي يريد أن يكون قائدًا لشعبه يجب أن تكون هذه صفاته”[6].

“لقد كان صيّادًا ماهرًا يصيد بالصقور”[7].

لتصل أحداث القصة بعد ذلك إلى الكشف عن حلم الشيخ زايد الذي كان يراوده باستمرار، وهو تحقيق الاتحاد بين الإمارات السبع وتأسيس دولة قوية، وتحويلها إلى جنة خضراء: 

“كان يحلم بأن يحوّل الصحراء برمالها الصفراء إلى واحة خضراء، فيها الأعشاب والأشجار والنّخيل والورود، وأنواع كثيرة من الثمار”.

“عندما أصبح الشيخ زايد حاكمًا لإمارة أبوظبي، فكّر: لماذا لا تتّحد الإمارات؟ لماذا نحن متفرّقون؟ عرض الفكرة على حكّام الإمارات.. ورحّبوا بها وأُعلن عن قيام اتحاد الإمارات…

نحن دائمًا سنتذكّر بابا زايد الذي حوّل الحلم إلى حقيقة”[8].          

ومن أجمل قصص الأطفال التي سردت قصة الاتحاد سردًا تاريخيًا مبسطًا، يتناسب مع المستوى الإدراكي للطفل في مراحله المبكرة، قصة “القائدان البطلان” لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد – حفظه الله – التي يقول في بدايتها:

“سأحكي لكم اليوم قصة جميلة، ولكنها قصة حقيقية، وليست خيالية، إنها قصة دولة الإمارات”[9].

تبدأ أحداث القصة بالتعريف بالقائدين: الشيخ زايد والشيخ راشد رحمهما الله، اللذين أحبا الناس كثيرًا فأحبهما الناس، فحلما بتأسيس دولة يعيش فيها الناس بسعادة، ويلعب أطفالها في حدائقها الخضراء. لتبدأ بعد ذلك الخطوات الحقيقية، فيجتمعان ويتفقان على تحقيق الحلم الذي طال انتظاره:

“قال الشيخ زايد للشيخ راشد: لكي نحقق الحلم لابد أن نتحد جميعًا؛ لأن الاتحاد قوة والتفرق ضعف. قال الشيخ راشد للشيخ زايد: نعم، الاتحاد قوة”[10].

ليتحقق الاتحاد بعد فترة وجيزة، حينما اجتمع القادة المؤسسون في ظل فرحة عارمة عمت أرجاء البلاد: “اجتمع الناس وجميع القادة السبعة الأبطال بعد ذلك في بيت كبير اسمه “دار الاتحاد”، واحتفلوا جميعًا لأنهم أصبحوا أقوياء متحدين، وأخبروا جميع الناس بأنهم سيبنون دولة الإمارات”[11].

المضمون الديني

تعد قصص الأطفال من أفضل الأساليب في تكوين العقيدة الدينيّة وغرسها في نفوس الأطفال، وأكثرها فاعلية في هذه المرحلة. وتقع على الكتّاب الذين يعالجون المضامين الدينية في قصص الأطفال مسؤولية كبيرة “تحتاج إلى دقة الفيلسوف وملاحظته، وإلى خيال الفنان وإحساس، حتى لا ينفر الطفل من الدين، ولكي يتقبله عن حب، ويرى فيه مصدرًا لسعادة روحيّة يحس بها، وليس تقليدًا مفروضًا عليه من الأسرة والمجتمع”[12]

ومن القصص التي ركزت على المضمون الديني من خلال سياقها القصصي وأحداثها، مجموعة قصصية للكاتب علي الحمادي. تضم المجموعة عددًا من القصص مقسمة -حسب عمر الأطفال- إلى ثلاث مجموعات، وتضم تحت عنوان “القارئ الماهر: برنامج تعليم القراءة”. فالمجموعة إلى جانب هدف تعليم القراءة، تروم إلى تحقيق أهداف أخرى، مثل: تعليم الأطفال أساسيات الدين الإسلامي، والأخلاق الكريمة والقيم التربوية، والعادات والتقاليد الاجتماعية الأصيلة.

ومن قصص المجموعة قصة (صلاتي حياتي)، التي استخدمت الأسلوب التعليمي المبسط لتعليم الصلاة. يقول (راوي) بطل القصة:

“المسلم يصلي خمس صلوات في المسجد… أستيقظ في الصباح… أتوضأ قبل الصلاة… صلاة الفجر ركعتان… صلاة الظهر أربع ركعات… صلاة العصر أربع ركعات… صلاة المغرب ثلاث ركعات… صلاة العشاء أربع ركعات… أدعو الله وأشكره”[13].

ولفريضتي الصوم والحج حضور أيضًا في إحدى قصص المجموعة، عنوانها: (في يوم العيد) يقول (راوي):

“أنا أصوم شهر رمضان، فيفرح والدي، ويرضى الله عني… يذهب المسلم إلى الحج طاعة لله، يتقبل الله منه، ويفرحه بالعيد…”[14]

وفي قصة (أهل الثقافة) يقول (علي):

“هوايتي السفر والسياحة، السفر هواية مفيدة… (ثم يقول) نسافر إلى مكة المكرمة، لأداء العمرة…”[15].

أما في قصة (الهدية) فيقول (راوي):

“عاد أبي من الحج. فرحنا بوصول أبي، وقلنا: حمداً لله على السلامة”[16].

وكما هو ملاحظ فإن أبطال القصص هم من الأطفال، وفي عمر متقارب من عمر المتلقي الذي كتبت له القصص، وهذا يجعل الطفل يندمج مع المضامين ويتقبلها بشكل إيجابي، مستمتعًا بما يقرأ، مستجيبًا لأهدافها، ومتأثرًا بالقيم المبثوثة فيها.

المضمون التراثي

الموروث الشعبي أو الفلوكلور هو الجسر الذي يربط بين الماضي والحاضر في جميع المجتمعات. فهو إبداع البيئة الثقافية المحلية، ونتيجة تفاعل الإنسان مع بيئته. أنتجه مبدعون مجهولون جسّدوا أفراح الناس وأحزانهم، وترجموا أحلامهم ومخاوفهم، وصوّروا مظاهر العمل وحلقات السمر، ورووا حكايات الشعب في أوقات الرخاء وأزمنة الجدب والقحط. فوصلت إلينا بعد عشرات بل ربما مئات السنين في صنوف وألوان مختلفة.

وقد انطلق الكاتب الإماراتي في البدايات من “البيئة المحلية، فجعل نقل التراث وأمجاد الماضي أوّل سفينة تقل الطفل إلى شواطئ المستقبل، وكل ذلك لتعريفه بعاداته وتقاليده، ومد جسر القرابة ما بين حاضره وماضيه المجيد، لينشأ بين أعشاش وطنه، ويستقي ثقافته وأدبه من ثقافة أجداده وأسلافه”[17].

إن التراث يجسد أرقى حالة من الشعور بالهوية الوطنية والتماسك بين أفراد المجتمع، وهو حلقة الوصل التي تربط بين الماضي والحاضر والمستقبل، ويشكل معينًا ثقافيًا وإبداعيًا في التركيبة الثقافية والوعي الأخلاقي والسلوكي والحضاري في المجتمع. ومن هنا كانت أهمية نقل ملامح التراث الشعبي للطفل، من خلال القصص الموجهة إليه، وتوظيفها توظيفًا انتقائيًا تربويًا يتناسب مع الدور المرتجى منها.

وفي هذا الإطار يقول د. هيثم الخواجه: “ولما كان الطفل حلقة وصل بين الماضي والحاضر والمستقبل؛ ولما كان التراث يرسخ الهوية للطفل، ويفسح المجال له للتعرف إلى إبداع أجداده لتعميق ثقافته وفكره، والعمل من أجل الحاضر والمستقبل؛ فإن التراث أكثر من ضروري في الإبداع لإحداث الوعي التاريخي والتراثي، وجعل مراميه التي تستند إليها من أجل آفاق ومتطلبات جديدة تلائم طموحه وتعدّه وتزوّده بسلاح لا يفل، ويفيده في أداء واجبه تجاه ذاته وإنسانيته ووطنه وأمته”[18].  

وقد جاء توظيف المضمون التراثي في القصص على صورتين. الأولى: إعادة صياغة القصة الشعبية المحلية لتناسب الأطفال، والأخرى: توظيف الرموز المستقاة من الموروث الشعبي، بهدف ربط طفل اليوم بتراث وطنه وتاريخه وتعزيز الهوية الوطنية من خلال الأدب المقدم له. ومن تلك الرموز: العادات الاجتماعية والاحتفالات، والفنون والأغاني الشعبيّة، والأكلات الشعبيّة، والطبّ الشعبي، والملابس والرياضات والمهن والحرف التراثيّة.

ومن نماذج الصورة الأولى، تلك البصمة الواضحة للباحث الإماراتي في مجال التاريخ والتراث د. عبد العزيز المسلّم، إذ أعاد صياغة عدد من الحكايات الشعبية لتكون مناسبة للأطفال، منها: دجاجة ميثانة، وغاية والحنيش، وأمير البحار، والعنزة الساحرة، وبديحة.

وهناك جهود مميّزة أخرى اهتمت أيضًا بجمع الحكايات الشعبية وتقديمها بأسلوب مناسب للطفل. أهمها كتاب: “خريريفة مجيريفة: حكايات مستوحاة من التراث الإماراتي”، الصادر عام 2019م عن معهد الشارقة للتراث، بإشراف المجلس الإماراتي لكتب اليافعين ومعهد جوته الألماني بمنطقة الخليج ضمن أعمال وإصدارات مشروع: “كتب صنعت في الإمارات”. يضم الكتاب خمس عشرة قصة شعبية من التراث الإماراتي، وهو عمل جماعي اشتركت فيه عشر كاتبات إماراتيات في إعادة صياغة القصص على المستوى المضموني والفني؛ لتتناسب مع المستوى الإدراكي للطفل وخياله ولغته. ومن العناوين الواردة في الكتاب: “بديحة بديحوه”، و”خنفر زنفر”، و”البيدار والحيّة”، و”الرجل البومة”، و”انتيفه والضّفدع”، و”الغوّاص سالم”، و”نتيفان”، و”أم الهبّان”، و”حبيب الرمّان”، و”سلامة وبناتها”، “بخيتة وكلبتها”[19].

ومن النماذج على الصورة الأخرى لتوظيف المضمون التراثي، والتي حرصت على حضور المظاهر التراثية الشعبية، قصة “بحجم الحب أو أعظم” للكاتبة الإماراتية بشرى عبد الله، التي تذكر فيها أنواعًا من الأكلات الشعبية، فـ(هيلين) الفتاة الأمريكية تزور صديقتها الإماراتية (عفراء) في بيتها، فتعد لها أصنافًا من الأطباق العالمية. لكن (هيلين) تفاجأ في تلك الزيارة بامرأة مسنة ترتدي الزي التراثي الإماراتي؛ فتطلب من صديقتها أن تجلس معها بعد أن عرفت أنها جدة (عفراء). فتقدم الجدة لــ(هيلين) أصنافًا من الأكلات الشعبية، مثل: السّاقو، الخبيصة، الحلوى العمانية، والقهوة العربية. وهذه الأطباق كانت موضوعة على (السرّود)، ومغطاة بالــ (المجبّة)[20]. فتعجب (هيلين) كثيرًا بما رأت فهي “تحب التعرف على تراث البلدان وعاداتهم وتاريخهم…”[21] .

المضمون الأخلاقي والتربوي

تعدّ القصص بوابة دخول الطفل إلى عوالم يصعب الولوج إليها من غيرها، خاصة تلك الأمور المتعلقة بالأخلاق والمثل والقيم والعادات والتقاليد، كما يمكن أن تستخدم القصص في علاج الطفل من المخاوف وإيجاد التوازن النفسي له. فالقصة الجيدة تقدم  للطفل النماذج الصالحة ليقتدي بها، وتعزز جانب المكافأة والمثوبة، وتحذّر من السلوكات الخاطئة وعواقبها الضارة عليه. وهي في ذلك كله يجب ألا تحمل الأوامر والنواهي والتوجيهات المباشرة التي يملّ الأطفال من الاستماع إليها عادة، فالدرس يأتي بطريقة غير مباشرة، والقيمة تغرس بشكل تلقائي وسهل، وهذا ييسر عملية استيعابهما وتمثلهما.

تجدر هنا الإشارة إلى أن جلّ القصص التي كتبها الكتاب الإماراتيون لم تهمل الجانب التربوي والأخلاقي للقصة، وهذا ينمّ عن وعيهم بأهداف أدب الأطفال بشكل عام، وإدراكهم بأهمية القصص الطفولية ودورها التربوي في غرس القيم والأخلاق بشكل خاص. وقد جاءت هذه القيم والأخلاقيات، مثل: طاعة الوالدين، واحترام كبار السن، والحث على الصدق والأمانة، وغيرها، مبثوثة في ثنايا القصص على اختلاف أنواعها ومضامينها وغاياتها.

في قصة (وعادت إلى هيفاء السعادة) تصوّر الكاتبة لطيفة النجار الصدق مصدرًا لسعادة “هيفاء” بطلة القصة، وسببًا لتخلصها من القلق والخوف الناتج عن تقصيرها في أداء واجبها المدرسي. فـ”هيفاء” تنسى ذات يوم كتابة القصة التي كلفتهم بها معلمة اللغة العربية. ولأنها طالبة متفوقة في مادة اللغة العربية وتحب معلمتها، تخشى من إخبارها بالأمر حتى لا تبدو في نظرها مهملة ومقصرة.

تقترح صديقتها “هند” لها حلاً، فتقول: “أخبريها أنك لم تكتبي القصة لأن أمك في المستشفى، وكنت تعتنين بأخيك الصغير”[22].

ترفض “هيفاء” حلّ “هند” في البداية، إلا أن صعوبة الموقف وخوفها من العقاب يدفعها إلى اللجوء إليه لتنقذ نفسها من الموقف المحرج الذي وجدت نفسها فيه عندما سألتها المعلمة عن الواجب. غير أنها وبخلاف ما أخبرتها “هند” لم تشعر بالراحة، بل شعرت بالضيق والحزن لما قامت به. وعادت إلى البيت مهمومة:

“كانت الدموع تنحدر ساخنة على وجنتيها طوال الليل حتى غلبها النوم فنامت”[23].

لم تستطع الانتظار طويلاً لذا انتظرت معلمتها في صباح اليوم التالي عند غرفة المعلمات لتخبرها بالحقيقة. قالت لها معلمتها:

“ما بك يا عزيزتي؟ هل حدث لك مكروه؟ رفعت هيفاء رأسها ونظرت إلى معلمتها، وقالت: نعم، لقد جئت إليك لأقول الصدق وأخبرك بالحقيقة”[24].

حينها شعرت (هيفاء) براحة الضمير، فقد عادت إليها سعادتها حينما اعترفت بخطئها.

أما قصة (تعاون الأصدقاء) لسلمى الكتبي فتركز على قيمة التعاون بين الأصدقاء، إذ تصف القصة كلا من (سالم) و(طارق) و(حسن)، بأنهم “أصدقاء يحبون بعضهم بعضًا ويتعاونون في كل شيء، ويلعبون ويتنزهون معًا باستمرار”[25].

وفي أحد الأيام ذهب الأصدقاء في رحلة إلى الغابة، “وعندما وصلوا، اختاروا مكانًا مناسبًا للتخييم، وقسموا الأعمال والمهام فيما بينهم. فسالم وطارق قاما بنصب الخيام وترتيب الأغراض، وتولى حسن جمع الحطب وإشعال النار، وتعاون الثلاثة في تحضير الطعام”[26].

وبعد الانتهاء من التحضيرات يذهب الأصدقاء للتجول في الغابة واستكشافها؛ فيقع (سالم) في حفرة ولا يستطيع الخروج منها. يبذل كل من (طارق) و(حسن) جهدهما لمساعدة صديقهما، ويتعاونان في ذلك:

“نزل طارق إلى الحفرة وربط سالم بالحبل ورفعه قليلاً، بينما سحبه حسن بكل قوته. خرج الصديقان من الحفرة سالمين.

قال سالم: شكرًا لكما كثيرًا لمساعدتكما لي وتعاونكما على إنقاذي.

قال حسن: أهم وأحلى تعاون، هو تعاون الأصدقاء”[27].  

المضمون الإنساني

من أبرز المضامين التي يجب أن يحرص الكتّاب على معالجتها في قصص الأطفال هي الفضائل الإنسانيّة، والقيم الفرديّة التي تعنى بتقدير الذات، والقيم الجماعية التي تعنى بتقدير الآخرين وتقبّل اختلافاتهم واحترام ثقافاتهم، في زمن أصبح فيه العالم قرية صغيرة، تجتمع فيه الأجناس والأعراق وتتعارف بشكل أسرع وأكبر، بسبب توافر وسائل التواصل المختلفة التي تقرّب البعيد للطفل، وتفتح آفاقه على ثقافات متعددة وظروف متنوعة يعيشها الأطفال من حوله في كل مكان في العالم، على عكس ما كان عليه طفل الأمس، الذي كانت عوالمه أكثر تحديدًا وأقل تنوّعًا. ومن مثل تلك القيم: التراحم، والتسامح، ومراعاة شعور الآخرين، واحترام ثقافة الآخر، وتقبّل الاختلاف بصوره كافة.

في قصة “أنا مختلف” تحرص الكاتبة الإماراتية نادية النجّار على غرس قيمة تقدير الذات، وتقبّل الاختلاف عن الآخرين والتأقلم معه، حتى وإن كان اختلافًا ناتجًا عن إعاقة جسدية ولدت مع الشخص. فبطل القصة طائر فلامنجو “فنتير”، يعيش مع أهله وأصدقائه في بلاد بعيدة في أقصى الشمال. يشبه إخوته في كل شيء، إلا أن “إحدى ساقيه طويلة، والأخرى قصيرة”[28].

وهو دائم التساؤل عن إعاقته الجسدية، ويشعر بالإخراج منها، فيقارن نفسه بأصدقائه:

“لماذا أنا مختلف؟

لماذا إحدى ساقيّ طويلة والأخرى قصيرة؟

أصدقائي سيقانهم طويلة ومتساوية في الطول، إلا أنا”[29].

غير أنه في نهاية القصة يعي أن الاختلاف ليس عيبًا، إذ بإمكانه أن يستثمره ليكون مختلفًا بطريقة فريدة، وذلك حينما يكتشف موهبته الجديدة في تعلم نوع جديد من الرقص، لا يعرفه أصدقاؤه، فيكون هو من يتولى تعليمهم تلك الرقصة التراثية الجميلة حينما يسافرون جميعًا إلى دبي.

تختار الكاتبة نفسها موضوعًا إنسانيًا متميّزًا ومختلفًا في قصة أخرى عنوانها “أصوات العالم”. فالقصة تروى على لسان طفلة من ذوي الاحتياجات الخاصة، تعاني من الصمم منذ ولادتها، فتسعى من خلال أحداثها اليومية أن تكتشف الأصوات بطريقتها الخاصة. هي دائمة التساؤل عن طبيعة الأصوات المحيطة بها، فتستعين بأفراد أسرتها الذين تعلموا “لغة الإشارة” ليتحادثوا معها، وينقلوا إليها أحاسيسهم ومشاعرهم الجميلة، ويساعدونها في اكتشاف الأصوات من حولها، تقول:

“كانت أختي الكبيرة تتأملني بينما أرسم عصفورًا يتراقص على غصن شجرة، أشارت: ما أجمله!

ثم سألتها: تُرى.. كيف يبدو صوت العصافير؟!

داعبَتْ باطن كفّي بدغدغات خفيفة، فابتسمتُ وصرتُ أتخيّل صوت العصافير”[30].

“في طريق عودتنا شاهدنا رجلاً يعزف نايًا تحت شجرة.

سألت أختي: هل صوته شجيّ؟

أخبرتني أنه جميل كأوراق الشجر وهي تتساقط عند قدمي العازف”[31].

“وعند اقترابنا من البيت شاهدتُ أبي يقلّم أشجار الحديقة.

أخبرني بلغة الإشارة التي تعلّمها كل أفراد العائلة من أجلي: أنا أحبكِ

ركضتُ نحوه، واحتضنته، وهتفت: وأنا أيضًا أحبك”[32].

المضمون العلمي والتعليمي

من الممكن دمج الأدب بالمعرفة العلمية، من خلال تضمين القصص المضمون العلمي والأفكار الصحيحة التي تربط الطفل بالعصر الحاضر والتطورات العلمية والمخترعات الحديثة. فهذا النوع من القصص يتجه إلى استخدام الرموز لعرض المعلومات والمعارف العلمية ببساطة ويسر، مثل عرض الظواهر الطبيعية، والحقائق الجغرافية، ومميزات النباتات وخصائص الحيوانات، بغرض جذب انتباه الأطفال وإثارتهم وتثقيفهم وإكسابهم المعارف المختلفة بطريقة شائقة ومسلية. وقد “ظهرت الحاجة إلى هذا اللون من القصص في زمن تصارعت فيه العقول، لتصل إلى ما في الكون من حقائق. واتجه المؤلفون إلى القصص العلمية ليحققوا التلاؤم بين ما يقدمون واتجاهات العصر، وليمهدوا سبيل العلم أمام الناشئين حتى يتابعوا في المستقبل مسيرة الكشف والاختراع، ويحققوا للإنسان سعادته”[33].

من القصص الممتعة التي تدمج المعلومة العلمية بأحداثها بشكل بسيط وممتع، قصة “الماء يبحث عن لون” للقاصة الإماراتية بدرية الشامسي. تروي القصة أحداث رحلة شائقة تقوم بها قطرات المطر التي تحاول أن تعرف اللون الحقيقي للماء، لتقدم للطفل خلالها كمًّا من المعلومات المتعلقة بالألوان في الطبيعة وكيفية اكتساب بعض مظاهر الطبيعة لألوانها، كأوراق الأشجار، والجبال، والصخور، والحمم البركانية، والسماء. كما تحرص الكاتبة على تقديم معلومات حول دورة المياه في الطبيعة. مستثمرة مضمون القصة العلمي في إثراء معجم الطفل اللغوي بعدد من المصطلحات العلمية، مثل: “اليخضور أو الكلوروفيل”، و”ثاني أكسيد الكربون”، و”عملية التمثيل الضوئي”، و”الطاقة الضوئية الشمسية”، و”المعادن”.

وقد أضافت الكاتبة لمسة محليّة إلى قصتها، حيث أضافت أسماء حالات الماء باللهجة الإماراتيّة، وقامت بشرح معاني تلك الأسماء في ملحق معجمي في نهاية القصة، منها: “نفافة”، “غيث”، “ديمة”، “ندى”.

وهنا اقتباس قصير من القصة، يوضح ما ذكرناه بشأنها:

“ذات يوم سألت “نفافة” صديقها “مطر” عن لون الماء، فقال:

إن الماء ليس له لون.

فقالت “نفافة” باستغراب: تعلمت أسماء الألوان في المدرسة، ولكن لم أدرس لونًا اسمه ليس له لون!

ضحك “مطر” بصوت عالٍ: لم أقصد أن هذا اسم اللون، إنما قصدت أن لا لون له، شفّاف تستطيعين الرؤية من خلاله.

هل كل قطرات الماء شفافة؟

ولماذا لا يختار الماء لونًا؟

وما هو اللون الذي قد يختاره الماء؟

طلبت “نفافة” من “مطر” أن يُسهب أكثر”[34].

أما الكاتبة الإماراتية عائشة عبد الله فتقدم من خلال قصتها “بنت المطر” مضمونًا علميًا بصبغة محليّة مستوحى من التراث الإماراتي. فبطلة القصة طفلة إماراتية اسمها “ميرة” تحبّ هطول المطر كثيرًا، ولذا أسمتها معلّمتها “بنت المطر”. أخبرت ميرة والدها بالأمر بعد عودتها من مدرستها فرحة منتشية، فكشف لها والدها حقيقة ذلك الاسم في التراث الإماراتي. وبين لها بأنه اسم كان يطلقه أهل الإمارات قديمًا على حشرة صغيرة تظهر بعد هطول المطر الوسمي في منطقة الخليج (المطر الذي يهطل في شهري سبتمبر وأكتوبر).

في عطلة نهاية الأسبوع وفي بيت الجدّة الدافئ أثناء الزيارة العائلية تسأل “ميرة” -الحفيدة جدّتها:

“جدّتي، هل تعرفين بنت المطر؟

أجابت الجدّة بحسرة: بنت المطر؟

هزّت ميرة رأسها موافقة.

الجدّة: عندما كنت صغيرة، كنّا نراها بكثرة، أما اليوم فهي نادرة الوجود، لا نكاد نراها في المدن.

ميرة: لماذا يا جدّتي؟

الجدة: كانت البيوت تُبنى من الطين واللبن، وهذه الحشرة تبيض وتفرّخ في هذه البيئة كلّما ارتفعت نسبة الرطوبة في هذه البيوت، أما اليوم فالبيوت تُبنى من الطوب والإسمنت، وهذه بيئة لا تناسب بنت المطر”[35].

أثارت هذه المعلومات الأولية الفضول العلمي لدى ميرة، فتمنت رؤية هذه الحشرة والتعرف إليها بشكل أكبر، لذا انطلقت رحلة استكشافية عائلية إلى البرية دعا إليها الجد للبحث عن بنت المطر، رحلة فرح بها أطفال العائلة وميرة خاصة. حضر العلماء الصغار بعد أسبوع مبكرًا إلى بيت الجدة لينطلقوا مع جدهم إلى البرية. وهناك تعرّف الأطفال على مواطن “بنت المطر” ومسكنها، وعرفوا بأنها تختبئ في الرمال، وأنها حشرة غير ضارة تساعد على تخصيب التربة وتحفيز عملية التحلل، وتحفظ توازن النظام البيئي بأكمله. وباستخدام عدّة البحث المكونة من: العدسة المكبرة والفرشاة والمنخل، استطاعت ميرة وإخوتها التعرف على أصناف مختلفة من الحشرات الموجودة في البرية ومنها “بنت المطر”. لقد كانت الرحلة ممتعة ومفيدة، فقد أخبرت “ميرة” زميلاتها ومعلماتها الكثير من المعلومات عن “بنت المطر” الحقيقية.

خاتمة البحث

لقد حظي أدب الأطفال في الأعوام الأخيرة في دولة الإمارات باهتمام كبير وملحوظ، وهو اهتمام نابع من إدراك مؤسسات الدولة التي تعنى بثقافة الطفل وتعليمه بأهمية أدب الأطفال عمومًا، وقصص الأطفال على وجه الخصوص، ودورها البنّاء في توجيه بناة المستقبل وعماد المجتمعات والدول. وقد انعكس هذا الاهتمام على إبداع الكتّاب وإنتاجاتهم القصصية المتميزة، التي استطاعت أن تقدّم للأطفال مضامين مهمة ومتنوعة، تنطلق من عوالمهم الصغيرة، تلبي رغباتهم، وتحاكيهم، وتروي لهم، وتروي عنهم. ومن أبرز تلك المضامين: المضمون الوطني والتاريخي، والمضمون الديني، والمضمون الأخلاقي والتربوي، والمضمون الإنساني. وهم في التعبير عن ذلك كله لم يغفلوا الأساليب الجميلة، واللغة الواضحة البسيطة، والصور المبتكرة، والخيال المتناسب مع المضامين الطفولية.

* أستاذ مساعد، قسم اللغة العربية وآدابها، كلية الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة الشارقة، الإمارات العربية المتحدة.

[1] الشيخ، محمد. أدب الأطفال وبناء الشخصية: منظور تربوي إسلامي، ط1. دبي: دار القلم، 1994م، ص:43. (بتصرف). 

[2] الكيلاني، نجيب. أدب الأطفال في ضوء الإسلام، ط3. بيروت: مؤسسة الرسالة، 1991م، ص:71.

[3] الحديدي، علي. في أدب الأطفال، ط4. مصر: مكتبة الأنجلو المصرية، 1988م، ص:63-64.

[4] غابش، صالحة. بابا زايد، ط1. الشارقة: دار كلمات، 2011م، ص:6. 

[5] المصدر نفسه، ص:4.

[6] المصدر نفسه، ص:13.

[7] المصدر نفسه، ص:14.

[8] المصدر نفسه، ص:21.

[9] محمد بن راشد آل مكتوم. القائدان البطلان، ط1. دبي: إكسبلورر للنشر والتوزيع، 2015م، ص:2. 

[10] المصدر نفسه، ص:6-7.

[11] المصدر نفسه، ص:12.

[12] الحديدي، علي. في أدب الأطفال. ص:107.

[13] الحمادي، علي. صلاتي حياتي. ط1. دبي: مركز القارئ العربي، 2006م، ص:1-9. 

[14] الحمادي، علي. في يوم العيد. ص:1-2. 

[15] الحمادي، علي. أهل الثقافة. ص:4.

[16] الحمادي، علي. الهدية. ص:1.

[17] البلوشي، ليلى وأخريات. أدب الطفل في الإمارات، ط1. الشارقة: دائرة الثقافة والإعلام، 2007م، ص:191.

[18] الخواجة، هيثم. مشكلات الكتابة للأطفال، ط1. الشارقة: دائرة الثقافة والإعلام، 2010م، ص:33-34.

[19] بديحة بديحوه، خنفر زنفر، نتيفان، أم الهبان: شخصيات من التراث الشعبي الإماراتي.

[20] المجبّة، السّرّود: من أدوات المائدة التراثية، مصنوعة من سعف النخيل. 

[21] عبد الله، بشرى. بحجم الحب أو أعظم، ط1. أبو ظبي: وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، 2010م، ص:11.

[22] النجار، لطيفة. وعادت إلى هيفاء السعادة، ط1. دبي: العالم العربي للنشر، 2009م، ص:4.

[23] المصدر نفسه، ص:12.

[24] المصدر نفسه، ص:15.

[25] الكتبي، سلمى. مجموعة من وحي الطفولة، قصة: تعاون الأصدقاء، ط1. الإمارات: وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، 2008م، ص:14.

[26] المصدر نفسه، ص:14.

[27] المصدر نفسه، ص:16.

[28] النجار، نادية. أنا مختلف، ط1. دبي: قنديل للطباعة والنشر، 2017م، ص:5.

[29] المصدر نفسه، ص:6.

[30] النجار، نادية. أصوات العالم، ط1. دبي: الهدهد للنشر والتوزيع، 2018م، ص:7. 

[31] المصدر نفسه، ص:17.

[32] المصدر نفسه، ص:21-22.

[33] حلاوة، محمد. الأدب القصصي للطفل. الإسكندرية: المكتب الجامعي الحديث، 2003م، ص:94.

[34] الشامسي، بدرية. الماء يبحث عن لون، ط1. دبي: دار الهدهد للنشر، 2016م، ص:6-7.

[35] عبد الله، عائشة. بنت المطر، ط1. دبي: قنديل للطباعة والنشر، 2017م، ص:15- 16.

المصادر والمراجع

  • البلوشي، ليلى وأخريات. أدب الطفل في الإمارات، ط1. الشارقة: دائرة الثقافة والإعلام، 2007م.
  • الحديدي، علي. في أدب الأطفال، ط4. مصر: مكتبة الأنجلو المصرية، 1988م.
  • حلاوة، محمد. الأدب القصصي للطفل. الإسكندرية: المكتب الجامعي الحديث، 2003م.
  • الحمادي، علي. صلاتي حياتي. ط1. دبي: مركز القارئ العربي، 2006م.
  • الخواجة، هيثم. مشكلات الكتابة للأطفال، ط1. الشارقة: دائرة الثقافة والإعلام، 2010م.
  • الشامسي، بدرية. الماء يبحث عن لون، ط1. دبي: دار الهدهد للنشر، 2016م.
  • الشيخ، محمد. أدب الأطفال وبناء الشخصية: منظور تربوي إسلامي، ط1. دبي: دار القلم، 1994م.
  • عبد الله، بشرى. بحجم الحب أو أعظم، ط1. أبو ظبي: وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، ط1، 2010م.
  • عبد الله، عائشة. بنت المطر، ط1. دبي: قنديل للطباعة والنشر، 2017م.
  • غابش، صالحة. بابا زايد، ط1. الشارقة: دار كلمات، 2011م.
  • الكتبي، سلمى. مجموعة من وحي الطفولة، قصة: تعاون الأصدقاء، ط1. الإمارات: وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، 2008م.
  • الكيلاني، نجيب. أدب الأطفال في ضوء الإسلام، ط3. بيروت: مؤسسة الرسالة، 1991م.
  • محمد بن راشد آل مكتوم. القائدان البطلان، ط1. دبي: إكسبلورر للنشر والتوزيع، 2015م.
  • النجار، لطيفة. وعادت إلى هيفاء السعادة، ط1. دبي: العالم العربي للنشر، 2009م.
  • النجار، نادية. أصوات العالم، ط1. دبي: الهدهد للنشر والتوزيع، 2018م.
  • النجار، نادية. أنا مختلف، ط1. دبي: قنديل للطباعة والنشر، 2017م.

تحميل البحث