الدكتور طارق البكري وجهوده في مجال أدب الأطفال

لتحميل المقال انقر هنا

هدى كاظمي*

ملخص البحث:

يعد الدكتور طارق البكري من أشهر كتّاب وروّاد أدب الأطفال في العصر الراهن، فهو يحتل مرتبة مرموقة في مجال أدب الأطفال، ويحاول في قصصه المساعدة في إرساء القيم الإسلامية التربوية في شخصية النشء العربي.

في سجله أكثر من 500 قصة قصيرة للأطفال، وأكثر من 10 روايات للناشئة، فضلاً عن دراسات ومقالات متنوعة عديدة تتعلق بأدب الطفل. يتولى حالياً رئاسة تحرير مجلة (كونا الصغير) التي تصدر في الكويت، كما أنَّه يدرِّس مقررات جامعية تتعلق بالقصة والرواية عامة، وأدب الطفل خاصة، إضافة إلى مقرر خاص بمهارات اللغة والكتابة والتأليف، وأشرف لسنوات طويلة على إصدار صفحات متخصصة للأطفال في جريدة (الأنباء) الكويتية، إلى جانب مشاركته بكثير من لجان التحكيم الخاصة بجوائز بأدب الطفل.

ويعالج هذا البحث بعض إسهامات الكاتب البكري في مجال أدب الأطفال، ويتناول التحليلَ الوصفي لبعض آثاره المهمة المتضمنة لموضوعات عديدة، مع إشارة خاصة إلى إسهامه في مجلة (كونا الصغير)، ودوره في تثقيف الطفل العربي.

كلمات مفتاحية: طارق البكري، القيم الاجتماعية والأخلاقية، كونا الصغير.

مقدمة:

أدب الأطفال وسيلة مهمة لغرس مجموعة القيم الدينية والاجتماعية والأخلاقية والوطنية، والمعرفة والثقافة، وقيم الحياة العلمية والعملية، مما يساهم بتكامل الشخصية الإنسانية التي هي بمنزلة مستقبل العالم.

ويحاول كل كاتب لأدب الأطفال أن يمهّد للأطفال واليافعين الطريق إلى التطور الفكري والأدبي والثقافي والتربوي بإنتاجاتهم الأدبية. وقد اهتم الدكتور طارق أحمد البكري في إنتاجاته الأدبية بنشر الوعي الفكري، وغرس القيم الخُلقية والخصال النبيلة في قلوب الأطفال، وتثقيفهم وتربيتهم تربيةً إسلاميةً شاملةً، كما أكَّد في مؤلفاته على أهمية تعليم اللغة العربية وحبها واحترامها لكونها لغة القرآن الكريم.

وطارق البكري كاتب وإعلامي لبناني مقيم في الكويت منذ عام 1993، ويعد من أعلام أدب الطفل في القرن الحادي والعشرين، وله دور كبير في مجال تطور أدب الطفل في دولة الكويت خاصةً وفي العالم العربي عامةً، وله محاولات دؤوبة في بناء شخصية الطفل العربي، وله ذوق عميق ورؤية ظاهرة، وهدف صالح لتربية الأطفال، وتزويدهم بالقيم العلمية والعملية.

مسيرة حياة البكري:

أبصر أديب الأطفال د. طارق أحمد البكري النور في بيروت- لبنان عام 1966م[1]، وانتقل إلى الكويت عام 1993م[2]. درس اللغة العربية والدراسات الإسلامية، وحصل على شهادة الماجستير من جامعة الكويت عن دراسة بعنوان “كامل كيلاني رائدًا لأدب الطفل العربي: دراسة في اللغة والمنهج والأسلوب”[3]. ونال شهادة الدكتوراه عن دراسة بعنوان “مجلات الأطفال الكويتية ودورها في بناء الشخصية الإسلامية” من جامعة الإمام الأوزاعي الواقعة في مدينة بيروت[4]. وحاز على جائزة الملك عبد الله الثاني في مجال أدب الأطفال عام 2014م[5]، كما حصل على الدرع الذهبي من جمعية الصحافيين الكويتية وغيرها من الشهادات والتكريمات.

بدأ البكري كتابة القصص للأطفال وهو في سن مبكرة، حتى تجاوزت نحو 500 قصة، نشر كثير منها في صحف ومجلات ومواقع عربية مختلفة، وله إصدارات عديدة ومن أبرزها (50 قصة قصيرة للأطفال) في ستة أجزاء[6]، عن دار (الرقي) اللبنانية، وله مجموعة من الروايات للناشئة، وعدد كبير من الأبحاث والدراسات المختصة بالأطفال، نُشرت داخل الكويت وخارجها، كما كتب لمجلات في لبنان والكويت والجزائر والمغرب والإمارات والمغرب وسوريا والأردن، ومنها في الكويت: العربي الصغير، براعم الإيمان، أسرتي، أولاد وبنات، وأجيالنا، إضافة إلى صفحات أسبوعية متخصصة للأطفال في جريدة الأنباء. وترجمت بعض أعماله القصصية إلى الفرنسية والإنجليزية والروسية والكردية والبلغارية[7]، ويتم حاليًا ترجمة بعض أعماله إلى اللغة الأردية. وما يدل على براعته ومهارته في هذا الفن هو أن عددًا من الدول العربية اختارت بعض قصصه لتكون ضمن المنهج الدراسي الرسمي، ومنها: دولة الكويت، سوريا، قطر، فلسطين، المغرب، الجزائر، الإمارات العربية المتحدة.

وأولى مجموعاته القصصية صدرت في العاصمة السورية دمشق، وكانت بعنوان (العلماء الصغار) في (دار الحافظ)، و(الفيل فيلو) عن (دار المكتبي)، و(الغابة الغابة) عن (دار العيساوي)، وتبعتها لاحقًا مجموعات كثيرة رسمها الفنان الفلسطيني الراحل إياد عيساوي والفنانة السورية منال محجوب، في سلسلة قصص منها: أطفال الانتفاضة، أبطال الإسلام، جراح ساخنة، جراح على الطريق، جراح تحت الشمس، نافذة الفرح، أحمر الشفاه، حكايات عربية، الحمار حمور.. وكتاب (مدرستي الخضراء) مع الباحث الدكتور عبدالله بدران، وهو كتاب يهتم بالبيئة أصدرته الجمعية الكويتية لحماية البيئة.

ومن السلسلة الإسلامية الشهيرة التي أصدرتها له مبرة الآل والأصحاب: (أبو بكر الصديق والرسالة الإلكترونية) و(الشيخ والأصدقاء)، اللتان تضمنتا الكثير من الجوانب المضيئة في العلاقة الطيبة بين آل النبي (صلى الله عليه وسلّم) وصحبه الكرام (رضي الله عنهم).

كما صدرت له قصص قصيرة متنوعة منها: الشمس التي أحبها وتحبني، صديقتي المخطئة عفوًا، لعبة الحب، البقرة التي تبيض، لعبة الحب، عندما مات أخي، كان أبي طبيبًا.. ومن رواياته الفكاهية، روايتا: سباق في الزقاق، ومغامرات بونزي.

ومن رواياته الأخرى للناشئة: سر الحقيبة، الأميرة كهرمان، منير.. الأبيض لا يليق بكم، كوابيس نورة، عناقيد الكرز، البوسطة، لغز المدينة المسجونة، وجه القمر، للقمر وجوه كثيرة، للقمر وجه واحد.. وطبعت هذه الروايات في دول عدة منها الكويت وسوريا والأردن ولبنان والإمارات ومصر والجزائر[8].

وأسندت للدكتور طارق البكري العديد من المهام التي لها علاقة بالأطفال؛ ومنها بعد انضمامه إلى قسم التحرير في وكالة الأنباء الكويتية (كونا) تولى رئاسة تحرير مجلة (كونا الصغير)، علاوة على التدريس في كلية التربية الأساسية والجامعة العربية المفتوحة في الكويت، ومشاركته في عضوية لجان عدة لمسابقات وجوائز في مجال أدب الطفل، مثل: جائزة الأمانة العامة للأوقاف الكويتية، وجائزة قطر الدولية لأدب الطفل، وجائزة الملك عبدالله الثاني في الأردن، وجائزة جامعة الأميرة نورة لروايات الناشئة، وجائزة المجلس الوطني الكويتي للثقافة والفنون والآداب[9].

كما تولى البكري مهمة نائب رئيس تحرير مجلة (غراس) الصادرة عن اللجنة العليا للوقاية من المخدرات في الكويت، ومدير تحرير مجلة (مبرة الآل والأصحاب)، وكان مستشارًا لتحرير لمجلة (أجيالنا)، وسكرتيرًا لتحرير مجلة (التقدم العلمي) الصادرة عن مؤسسة الكويت للتقدم العلمي.. وغيرها من المهام[10]، منها مستشار إعلامي لرئيس اللجنة العليا للعمل على تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في الكويت.

ومن المتعارف عليه بين الباحثين أن الكتابة للأطفال ليست بالأمر السهل اليسير، إذ تتطلـب كثيرًا من الشروط الحرفية والخبرات والمعارف العلمية والإنسانية إلى جانب الموهبة، والكتابة عامة تحتاج في طبيعتها إلى تأمل طويل، كما أن الكتابة للطفل تتطلب معرفة بالطفولة والتربية، وحسن اختيار المناسب لمستوى الأطفال في مراحلهم العمرية المختلفة.

والكتابة للطفل من منظور الدكتور البكري: “ليست غاية في ذاتها أو سبيلاً لغاية، بل هي غاية عند الأديب المحب المجد، يقصدها الجامحون المولعون، بلا تطلعات أو أهداف ذاتية، هم يتلذذون إذا كتبوا، ويستمتعون إذا انتهوا، لا يمنعهم بلاء ولا وباء، ولا قلة نشر أو انتشار، ولا مانع من الموانع من المضي قدمًا كالثوار، مؤملين النفس بجيل من الأحرار، يمضون نحو الهدف بصبر وإصرار، ولا يملون الانتظار، حتى وإن لم يكن الحصاد الطيب سريعًا وفيرًا، وكانت الظلمة السخية على الدرب جاثمة، والأنوار الساطعة ضعيفة باهتة”[11].

ويميز ذلك أن المؤلف البكري بدأ كتابة قصص الأطفال في مرحلة مبكرة من حياته، ثم جعل الكتابة الهادفة ديدنه، إذ يقول: “بما أني لا أرى نفسي في الواقع غير كاتب للأطفال، فإن عملي كصحافي أو كأستاذ جامعي لم يكن يومًا من الأهداف الكبرى في حياتي، فكل عمل أحبه وأسعى إليه لا بد وأن تكون له علاقة مباشرة بالطفل، فالكتابة للطفل والحياة للطفولة تمثلان هاجسي الأوّل والدائم في كل مكان أخطو إليه، وفي كل وظيفة أعمل فيها”[12].

نظرة على الموضوعات الرئيسة التي يعالجها البكري بإنتاجاته الأدبية:

ذكرت سابقًا فإن أدب البكري يركِّز على بناء شخصية الطفل العربي تركيزًا خاصًّا، ويسعى لكي يكون أدب الطفل العربي متحليا بالثقافة العربية والإسلامية، كما يحاول غرس القيم الأخلاقية والسلوكات السليمة في مجتمعاتهم من خلال غرسها في نفس القارئ الصغير، كما أنه يقدم له معلومات متنوعة تتصل بما يحدث في أرجاء العالم.

كتب الدكتور البكري القصص لجميع مراحل الطفولة، فهو يراعي في إنتاجاته مستوى أعمار القرّاء حسب متطلبات العصر لتلبية ما يحتاجون إليه من الموضوعات التي تساعد على صقل أخلاقهم، وتزكية نفوسهم، وتحسين عاداتهم ومعتقداتهم الشرعية على النمط الإسلامي، والتي تساهم في بناء أفكارهم وشخصياتهم المثالية.

الموضوع الديني: الإسلام دين فطري ودين فكر وعمل، والإسلام أحاط بجميع جوانب الحياة، سواء كانت تربوية أم اجتماعية أم سياسية أم اقتصادية… وقال الله سبحانه وتعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً” (البقرة: 208). ويجب على المؤمن أن يلتزم بأحكام الدين في جميع شؤون حياته، فالفرد منذ نعومة أظفاره في أمس حاجة إلى التعاليم الإسلامية ليكون مدركًا لها، وكثير من الأدباء أدركوا هذا الجانب المهم ليضطلعوا بهذه المسؤولية العظيمة من خلال إنتاجاتهم الأدبية، و”تكون الحاجة أكبر لتأصيل هذا الجانب حين يكون الأدب موجهًا للطفل، فأدب الأطفال القائم على أسس إسلامية وعلمية سليمة، يلعب دورًا كبيرًا في إلقاء التوازن النفسي لدى الطفل، ويحميه من العلل النفسية الكثيرة…، أو في تخفيف ما ينتاب الطفل منها بل علاجه الحاسم”[13].

ونظرًا إلى أهمية التربية الدينية للأطفال فقد اهتمّ البكري أيضًا بصفته أديبًا مسلمًا اهتمامًا كبيرًا بالتعاليم والتوجيهات الدينية في قصصه بهدف تربية الأطفال، وتنشئتهم على نهج الإسلام، وحاول بث الوعي الديني للأطفال لأن لمعرفة الدين أثرًا بعيدًا في التربية وفي ترسيخ العقيدة الصحيحة، وفي اكتساب المعارف الإسلامية والأحكام الشرعية والآداب والأخلاق النبيلة، ومن هنا كانت رسالته في الدكتوراه حول (مجلات الأطفال ودورها في بناء شخصية الطفل المسلم)، ومن أجل ذلك كتب الكثيرَ من القصص التي يستهدف من خلالها غرس الشعور الديني الواعي لدى الأطفال.

وأذكر هنا نموذجًا من قصة (الشيخ والأصدقاء)، وهي قصة تتناول العلاقة الحميمة بين الفاروق عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب (رضي الله عنهما) بلسان الشيخ الكريم الذي ألقى هذه القصة أمام الأطفال الأصدقاء: “نظر الصغار نحو الشيخ الكبير، كانوا يعرفونه جيدًا، فهو يحافظ على الصلاة دائمًا في المسجد، لكنهم لم يروه سابقًا في غير أوقات الصلاة، فنادرًا ما يخرج من بيته لغير الصلاة. لم يكن كثير الكلام، يؤدي الصلوات في أوقاتها، يجلس في زاوية من زوايا المسجد، يقرأ صفحةً أو صفحتين من القرآن الكريم، ثم يعود إلى بيته مستندًا إلى عكازه، يستند إليها وقد انحنى ظهره، وتطاولت لحيته البيضاء الناعمة، التي كانت تلمع تحت أشعة الشمس، فتبدو في حسنها وجمالها مثل الذهب اللامع المضيء”[14].

وصف الكاتبُ هنا الشيخ الكريم وما اتصف به من أعمال وأوصاف، ومنها إقامة الصلاة وتلاوة القرآن، لأن الكاتب يستهدف تعويد الأطفال على إقامة الصلاة والمحافظة على أوقاتها، لأن الصلاة هي العبادة الأولى الموقوتة التي يأمر الله عباده بها بعد دخول الإسلام والإيمان بالله، “وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَٱصْطَبِرْ عَلَيْهَا” (طه: 132). وقد حثّ الرسول عليه الصلاة والسلام على إقامة الصلاة وتعليمها للأطفال إذا بلغوا سبع سنين، فقال عليه الصلاة والسلام: “مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ”[15]. وكذلك يذكر تلاوة القرآن الكريم كي لا تخلو أذهان النشء من المصدر الأول للإسلام. وتبين القصة للأطفال العلاقةَ الحميمة بين عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما، واتخذ القاص الطريقة الحوارية لترسيخ الفكرة الإسلامية في وجدان الطفل وعقله.

الموضوع الاجتماعي: “الإنسان اجتماعي بطبعه، فهو لا ينفك عن تكوينه الاجتماعي الذي يولد فيه؛ بدءًا من الوالدين والأسرة (نواة المجتمع الأولى)، وانطلاقًا إلى المجتمع الكبير الذي يخرج إليه المرء في مستقبل عمره؛ فيحتاج في ذلك إلى ما يشد من أزره خلال اقتحامه لهذا الميدان الواسع من ذخيرة لغوية ملائمة، وسلاح ثقافي معرفي، وقيم ومثل عليا، وخيرات تعضده”[16].

والهدف من تعليم القيم الاجتماعية تربية الطفل على العمل بالطرق المناسبة في المجتمع، وتعتبر القصة من أهم الأدوات لتثقيف الأطفال وتشكيل أفكارهم وتقويم سلوكاتهم، وزيادة معارفهم، والسمو بلغتهم وتنمية أذواقهم وصقل مواهبهم وشحذ أذهانهم.  

ولقد بني المجتمع على الفرد، فصلاح المجتمع في إصلاحه وفساده في إفساده، لذا كان لزامًا على المربين القيام بإعداد أجيال مؤمنة صالحة قادرة على مواجهة تحديات العصر بروح الصلاح والإيثار والأخوة والتعاطف والتسامح وعدم العنف.

وكتب البكري قصصًا عالج فيها أبعادًا اجتماعيةً متنوعة، فكتب عن السلوكات والطبائع المجتمعية، وأشار إلى بعض العادات السيئة والسلوكات اللاأخلاقية، وكذلك بعض الجرائم السائدة في مجتمعاتنا. ويتجلى ذلك في رواية (للقمر وجوه كثيرة) التي صدرت في طبعتها الأولى عن اللجنة العليا لمكافحة المخدرات في الكويت (غراس)، ثم صدرت في عدة طبعات وكانت طبعتها الأخيرة بعنوان (للقمر وجه واحد) عن (دار المكتبي) في دولة الإمارات العربية. وتعالج هذه الرواية بين دفتيها قضية إدمان المخدرات في المجتمع العربي.

ولا شك أن هذه القضية قضية جدية؛ فإدمان المخدرات من أكبر المشكلات التي يواجهها أي مجتمع، حيث تزداد في كل عام أعداد المدمنين مع زيادة أنواع المخدرات، وأظهر (تقرير المخدرات العالمي للأمم المتحدة) ارتفاع نسبة التعاطي في العالم إلى نحو 271 مليون شخص[17]. وشهدت الدول العربية، ومنها دول الخليج العربي، ارتفاعًا كبيرًا في عدد مدمني المخدرات. ووفقًا لأرقام غير رسمية فإن عدد المدمنين في العالم العربي تجاوز 10 ملايين مدمن[18].    

ومن المعلوم أن المخدرات تسلب القيمة الإنسانية ممن يتعاطاها، وتجعله لا يقدر حتى على قيادة نفسه وأسرته وإدارتها بصورة سليمة، لذا نرى الأفراد الذين يتعاطون المخدرات يعانون هم وأسرهم، فلا يستطيعون العيش بحياة سليمة، لأن أموالهم تُنفَق في سبيل المخدرات، حتى إن أولاد المدمنين ربما لا يستطيعون تحصيل العلم مما يؤدي إلى انغماسهم في الجرائم مستقبلاً لعدم توفر وسائل العيش السليمة وقلة المال.

وتتمحور الرواية حول قضية زياد، الطالب في كلية الطب الذي أدمن المخدرات بعد وفاة والديه في حادثة، فسيطر عليه الحزن الشديد حتى ألزم نفسه بالبيت، وقطع صلاته بالعالم الخارجي، وبدأ يدمن السجائر المحشوة بالمخدر بحيلة شخص خدعه وسلب منه جميع الممتلكات التي ورثها من أبويه، بتوقيعه في حالة غياب العقل بسبب المخدرات، فقد كانت المحنة قوية ولم يستطع الصمود أمامها.. فسقط في آفة الإدمان.. ولكن في نهاية الرواية عاد الشاب إلى حالته الأولى وترك تعاطي المخدرات.

ومن جميل ما ذكره الكاتب في الرواية هذا المقطع القصير: “لم يكن زياد في سني عمره التي لم تجاوز الواحدة والعشرين مثل أقرانه الشباب اليافعين.. اللحظات النادرة التي كان يظهر فيها في الشارع الذي يقع فيه منزله لا تحدث دائمًا.. فمنذ ذلك اليوم الحزين لم يخرج إلى الضوء إلا لضرورة.. كان خروجه يقلُّ بتدرج منتظم مع الأيام، حتى انقطع عن الظهور أمام النَّاس تمامًا..  طلب من حارس البيت الذي يقطن فيه أنْ يؤمِّن له حاجاته الأساسية مرة واحدة في الأسبوع، دون تواصل مباشر بينهما، فحاجاته بسيطة متكررة، وليس عنده طلبات يومية جديدة.. حتى نوع الطعام كان يختاره الحارس له على مزاجه.. لم يعترض زياد يوماً.. ولم يشتهِ نوعًا محددًا من الطعام.. المهم أن تكون مع كلِّ وجبة (سلطة الخسَّ مع جبنة بلغارية) كما كانت أمُّه تفضِّلها.. ولو اضُّطر لحاجة ضرورية -ولا يحدث هذا إلا نادرًا- يكتبُ للحارس ما يريد على ورقة صغيرة ثم يعطيه إيَّاها من وراء الباب… وعندما يأتي الحارس يضع الطعام وما يطلبه عند الباب.. ثم يقرع الجرس ويرحل..”[19].

ويهدف الكاتب من خلال هذه الرواية إلى تنفير الشباب من المخدرات المؤدية إلى الضياع والذل والهوان في كل مناحي الحياة، وتحتوي الرواية على عدد كبير من القيم التربوية والتعليمية التي يود الكاتب غرسها في نفوس الناشئة والشباب بأسلوب جذاب ممتع وملائم للسن المستهدفة ومنها:

-الإيمان الكامل بالموت: لم يسلم بطل الرواية زياد بوفاة والديه، ثم أصبح مدمنًا للمخدرات لكي ينسى الحزن البالغ الذي ساوره بموتهما، فلم يستسلم لقدر الله، ولكن بعدما عاد إليه رشده أدرك حقيقة الكون، “الأبوّة ليست نزعة تشبعية، بل رغبة باستمرار حياة مثل شجرة تزهر وتثمر ثم تسقط أوراقها لميلاد جديد.. لحياة عتيدة”[20].. فالموت قدر من أقدار الله لا يستطيع أحد أن يفر من هذا القدر، وهو كأس لا بد أن يتجرعها الجميع في أجل مسمى، وهذه هي عقيدة راسخة دعا الإسلام إلى الإيمان بها إيمانًا قويًا.

-محاسبة النفس: خاطب زياد نفسه بعدما عاد إلى نفسه وفكر في خطيئته التي وقع فيها باستسلامه للحزن قائلاً: “لا عذر لي.. كيف سأقابل الناس الذين احتضنوني بعطفهم بعد أن جافيتهم بقسوتي”؟[21]، وهذا دليل التراجع عن الخطأ، فالإنسان عليه التمييز ومحاسبة النفس دائمًا، ومراقبة ما يفعل من خير وشر. كما نلاحظ في الرواية المواقف التي تشجع على الالتزام بالوفاء والصدق والأمانة وعدم الخيانة وتجنب الخداع والحيلة.

الموضوع البيئي:

الإنسان كما يقال: ابن بيئته. والبيئة هنا “المكان الذي يعيش فيه الإنسان يتأثر ويؤثر فيه، كما أنها تعني العناصر الطبيعية والحياتية التي توجد حول الكرة الأرضية وداخلها: الغلاف الغازي ومكوناته والطاقة ومصادرها والغلاف المائي وسطح الأرض وما يعيش عليها من نباتات وحيوانات وإنسان بمجتمعاتها المختلفة. كل هذه العناصر تكوِّن البيئة، كما تضم البيئة مستقبل الإنسان وتصوراته وآماله وأمانيه”[22].

أما الثقافة البيئية التي يُقصد إليها للأطفال فهي تتعلق بسلامة الأرض ونقاء الهواء، وتوفير الماء الصافي. فعلى أدباء الأطفال أن يبثوا الوعي البيئي لدى الأطفال من أجل الاحتفاظ بالبيئة وحمايتها. وسيواجه أطفال اليوم تحديات بيئية بسبب تغير المناخ، وتلوث المحيطات، وقلة المياه. وفي وقت التكنولوجيا يرى الطفل أمامه آثارها في حياته ولا بد أن يدرك مكانة الطبيعة وأهميتها لبقاء العالم كله.

وقد اهتم الدكتور البكري بالشؤون البيئية وأهميتها بالنسبة إلى الأطفال وكتب قصصًا تعالج قضايا البيئة والعناية بها، كما أن له كتابًا مهمًّا بالاشتراك مع الدكتور عبد الله بدران بعنوان (مدرستي الخضراء)، في مجال نشر الوعي البيئي لدى الأطفال. وأذكر من هذا الكتاب نموذجًا وهو قصة ممتعة بعنوان “الإنسان الصالح”، تشجِّع الأطفال على حماية البيئة وتنمي حبهم للطبيعة.

“مشعل: قرأت مرة في أحد الكتب أن الإنسان الصالح هو الإنسان الذي يحافظ على البيئة من حوله، مثل البيت والمدرسة والشوارع والحدائق العامة، ولا يرمي النفايات إلا في الأمكنة المخصصة لها.

دلال: إنك عضو في جماعة البيئة في المدرسة، فما اقتراحاتك بهذا الشأن؟

مشعل: هنالك أشياء يمكن أن نفعلها في البيت والمدرسة، وكل مكان نكون فيه. ولما كنا في بداية العام الدراسي. فإن علينا واجبات كثيرة، منها:

  • تجنب إثارة الضوضاء، ورفع الصوت في الممرات والفصول والساحات.
  • الحرص على بيئة مدرستها ونظافتها، والاهتمام بزراعتها وتخضير ساحاتها، والمحافظة على الأشجار الموجودة فيها.
  • التخلص من القمامة بطريقة سليمة: لمنع انتشار الأمراض، والتخلص من المخلفات الصلبة عن طريق عملية تدوير النفايات القابلة لذلك: وأهمها الأوراق، وصناديق الكرتون، وقطع القماش، والزجاجات الفارغة، والعلب المعدنية، التي أصبحت من أهم مصادر التلوث: لأن تراكمها وتجمع المياه حولها يجعلها مرتعًا للحشرات والجرائم، ومصدرًا للروائح الكريهة.
  • المحافظة على نظافة دورات المياه وعدم الإسراف في الماء”[23].

وهذه القصة من كتاب (مدرستي الخضراء) الذي يتضمن عدة قصص توعوية بيئية للأطفال. وقد عالج القاص من خلالها عدة مشكلات بيئية في طرح قصصي رائع، فتناول فيها الشؤون البيئية، كالتلوث وأضراره، والقمامة وفسادها، والمياه وقلتها، والكهرباء وضياعها. وفيها يقدمِّ الكاتب للأطفال معلومات عن البيئة وأهميتها في الحياة البشرية وبقائها، كما تزخر بفوائد توعوية وتوجيهية للأطفال تحفِّز الطفل على حب البيئة والمساهمة في المحافظة عليها، والابتعاد عما يعود بالضرر عليها. وتأتي القصة بطريقة الحوار بين دلال (أخت) ومشعل (أخ) بلغة سهلة بسيطة جدًا.

نبذة عن مجلة “كونا الصغير”:

تمثل هذه المجلة جهود وكالة الأنباء الكويتية (كونا) في توعية وتثقيف الأطفال من طلبة المدارس ضمن الفعاليات التي تنظمها الوكالة بصفة دورية لأطفال المدارس من عمر 4-8 سنوات، كما يمكن أن يقرأها الأطفال في سن أكبر. وبدأت وكالة الأنباء الكويتية (كونا) بإصدار مجلة الأطفال الدورية (كونا الصغير) في شهر سبتمبر عام 2014م، وهي تتضمن العديدَ من الأبواب والموضوعات الوطنية والتربوية والترفيهية والعلمية والتاريخية وذلك بأسلوب جذّاب لا يخلو من المتعة والمرح[24]. وتسعى المجلة إلى تعزيز القيم وترسيخ الأخلاق وخلق جيل صالح وواع متمسك بدينه وعقيدته وسائر على منوال السلف الصالح، حتى يكون القدوة الحسنة في المجتمع.

“وتهدف الوكالة من وراء إصدار هذه المجلة الخاصة بالأطفال إلى تثقيف أبنائنا الصغار بمجال العمل الصحافي، وتعريفهم بفنون الكتابة الصحافية المتنوعة، واكتشاف مواهبهم المختلفة وخصوصا في مجال الكتابة والتأليف. وتتطلع (كونا) من خلال المجلة إلى ملء أوقات فراغ الأطفال بالمرح والقصص الغنية بالفوائد والعبر وتشجيعهم على القراءة، وتعزيز دور المدرسة، ونشر العلم والمعرفة بالتعاون مع الجهات المعنية في هذا المجال”[25].

وتميزت مجلة “كونا الصغير” بثبات الشكل والمضمون في جميع أعدادها حتى الآن مع طباعة جيدة، وتناثرت المعلومات بطريقة جذابة حتى تجذب قلوب الأطفال إليها وتساعدهم على القراءة. كما اهتمت الإدارة بطباعة جميلة اهتمامًا كبيرًا، “ولعل كاتب الطفل المتميز، أديبًا كان أو إعلاميًا أو صحافيًا، لا يكتمل عمله بغير صانع محترف مبدع فنان، من رسام ومخرج وممثل ومدير مسرح وخطاط ولغوي وتربوي، وما يتصل بذلك من أدوات تصوير وطباعة وورق وموسيقى وديكور”[26]. ولعلنا نجد ذلك كله في مجلة (كونا الصغير) التي كتب البكري فيها ولا يزال، وتناول الجانب الاجتماعي، والديني، والخيالي، والتاريخي، والعلمي.. تبعًا لما يناسب سن الأطفال ومداركهم في المجتمع الإسلامي.

القيم التربوية في قصص الدكتور البكري المنشورة في مجلة “كونا الصغير”:

القيم التربوية هي اهتمام الفرد وعنايته بمعايير اجتماعية وفردية، وكل من الأهداف ومعايير الحكم التي تؤدي بالفرد إلى السلوكات الإيجابية وتجنّبه السلوكات السلبية. وتؤدي القيم دورًا كبيرًا في حياة الطفل وتعكس شخصيته من كل جانب، لأن إدراكها يجعل الطفل قادرًا على التمييز بين الحق والباطل، والخير والشر، والصواب والخطأ، والحسن والقبح. وتساعد الفرد على تحمل مسؤولياته، وعلى من يكتب للأطفال أن يكون إنتاجه غنيًّا بالقيم التربوية لتتأثر به شخصية القارئ الصغير حتى يجعل من طفل اليوم قائد المستقبل.

وقد وجدت في أدب البكري عناية خاصة بإبراز القيم التربوية من أجل تنشئة الأطفال تنشئةً إسلامية شاملةً. وأما مجلة “كونا الصغير” فهي حافلة بالقيم السليمة الثابتة التي تؤثِّر في ذهن القارئ الصغير، وتساعد على تشكيل شخصيته وجعله عضوًا نشيطًا في المجتمع.

وفي السطور التالية أحاول إبراز بعض القيم التربوية التي قدَّمها البكري لليافعين من خلال قصصه المنشورة في هذه المجلة.

القيم الأخلاقية: تؤدي الأخلاق دورًا مهمًا في تكوين شخصية الفرد وتوجيه سلوكه، واهتم الإسلام بالقيم الأخلاقية كعنصر أساسي وركيزة مهمة في عملية التنمية الإنسانية حيث قال النبي (عليه الصلاة والسلام) “إنما بُعثتُ لأتمم مكارمَ الأخلاق”[27]. وتعد القيم الأخلاقية من أهم مجالات القيم. والقيم بمعناها الاصطلاحي مجموعة طريقة التعاملات مع الغير. وهي تغرس المحبة والأخوة في نفوس بعضهم بعضا، وهي تركز على حسن المعاملة والسلوك “فالقيم الأخلاقية هي المبادئ والمعايير التي توجه الفرد وتضبط سلوكه في الحياة، ويتحدد بموجبها مدى فاعليته في المجتمع”[28].

وتطرق الدكتور البكري إلى هذه القيم في قصصه بهدف تحسين أخلاق الطفل وجعله إنسانًا صالحًا ومُصلحًا يحتاج إليه الزمان لقيادة الأمة في المستقبل، ونلاحظ أنه يحرِّض الطفلَ على أفعال الخير والوفاء والتعاطف والأخوة والإيثار في أكثر قصصه التي يكتبها في المجلة. وعلى سبيل المثال قصة “كان أبي طبيبًا” التي تدور أحداثها حول الطبيب الكريم الذي يعيش في المدينة ويزور كل أسبوع قريته مع أسرته، وهو دائمًا يعاون ويساعد أفراد قريته على مواجهة صعوباتهم، ويعالج المرضى. والهدف التربوي المتمثل في هذه القصة يبرز من هذا النص الرائع من القصة:

“في البداية كنت مستنكرًا هذه الحياة القاسية.. اعترضت كثيراً:” أبي.. لماذا نفعل هذا كل أسبوع؟! ألا أستحق قسطًا من الراحة بعد عناء أسبوع في الدراسة والحفظ ووجع الرأس؟! أريد الذهاب إلى السينما.. إلى المسرح.. إلى البحر.. ألست مثل أصدقائي؟! أحتاج إلى عطلة أسبوعية حقيقية، وأنت يا أبي ألا يحتاج جسدك إلى راحة؟!” يجيب أبي بهدوء: “راحتي عندما أرى الذين نشأت بينهم يعيشون بلا آلام.. راحتي في مساعدتهم..”[29]، وتلك من الأخوة والمودة، والإحسان والإيثار.. وكل ما دعا الإسلام إلى اعتمادها وتطبيقها في الحياة البشرية جمعاء، وجاءت كثير من النصوص الشرعية حاثة على التعاضد والتآخي وصنع المعروف وأداء الإحسان، ومد يد العون للمحتاج والفقير، فقال عليه الصلاة والسلام “خير الناس أنفعهم للناس”[30]. وهذه هي الفكرة التي تدور حولها حبكة القصة، ويريد كاتب القصة تزويد الأطفال بالعادات الحسنة والخصال النبيلة وغرسها في أذهانهم، ليقضوا كل حياتهم وفق معايير ومبادئ وتعاليم إسلامية في المجتمع.

التثقيف الصحي: الصحة من أول المطالب الإنسانية والاجتماعية التي نسعى جميعًا لتحقيقها على مستوى الأفراد والمجتمعات، فالصحة السليمة هي أحد الأهداف الرئيسة التي تسعى المجتمعات إلى تحقيقها من أجل توفير تنمية اجتماعية شاملة لها ولأبنائها. ويعرف التثقيف الصحي بأنه: “عملية ترجمة الحقائق الصحية المعروفة إلى أنماط سلوكية صحية سليمة على مستوى الفرد والمجتمع، بهدف تغيير الاتجاهات والعادات السلوكية غير السوية، وكذلك مساعدة الفرد على اكتساب الخبرات وممارسته العادات الصحية الصحيحة”[31].

وأما الهدف من التثقيف الصحي لدى الأطفال فهو تعزيز المحاولات المقصودة لديهم لإكساب المعارف والمهارات اللازمة للسلوك الصحي السليم لصحتهم وصحة المجتمع الذي يعيشون فيه[32]. فتؤدي هذه المجلة أيضًا دورًا ملموسًا في بث الوعي الصحي لدى الأطفال.

ويزود الدكتور البكري الأطفال بالمعلومات الصحية ويحثَّهم على الاهتمام بصحتهم وصحة غيرهم من خلال قصصه التي تعالج بصورة خاصة النظافة الشخصية والتغذية الصحية وكيفية الوقاية من الأمراض، قاصدًا منها الفهم والإدراك والوعي الصحي في الأطفال. وأذكر هنا اقتباسًا من قصة (اليوم الصحي المفتوح)، وهي قصة علمية صدرت في طبعتها الأولى عن مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، حيث أجد فيها وفرة بالمعلومات الصحية لتنشئة الأطفال على طريقة الحياة الصحية السليمة، وتناول فيها حوارًا علميًّا بين طلاب مدرسة وأطباء اختصاصيين بمناسبة اليوم الصحي المفتوح، شرح فيها للأطفال أهمية الصحة في حياة الإنسان والاحتفاظ بها، فالمقتبس التالي يحث الأطفال على النظافة البدنية:

“أولى الوسائل وأهمها وأبسطها؛ غسل اليدين، فهي طريقة أولية وأساسية؛ لأن غسل اليدين بطريقة سليمة يقضي على معظم الميكروبات التي تنتقل إلى أجسادنا عن طريق الفم، أو لمس العينين أو الأنف. علمًا أن الميكروب من الصعب عليه أن يخترق الجلد ليدخل الجسم إلا إذا كان هناك جرح، كما أن على كل فرد أن يحرص على سلامة جهازه المناعي ويزيد من فاعليته”[33].

“ما المقصود بكلمة صحة؟، ابتسمت وقالت: هي حالة من اكتمال السلامة بدنيًّا وعقليًّا واجتماعيًّا، وليست مجرد غياب المرض أو العجز، وصحة الجسم تنتج بشكل أساسي عن ممارسة الرياضة لأنها تؤدي إلى زيادة تدفق الدم من القلب وإليه. أمَّا اللياقة البدنية فهي نتيجة للممارسة الصحية الطبيعية، والتغذية السليمة، والراحة عند الحاجة. وتشير الصحة العقلية إلى صحة الإنسان نفسيًّا وفكريًّا”[34].

وتدل هذه القصة على مهارة علمية للكاتب وجهده الخالص في سبيل تزويد الأطفال بالمعلومات الصحية وإكسابهم سلوكات صحية سليمة، ومن خلال نص القصة تبرز النقاط العلمية المهمة التالية:

الممارسة البدنية: تقوي الجسم ويتدفق الدم من القلب وإليه (Blood Circulation). وهو أمر مهم لتقويم البدن والعضلات والمخ ونظام الجسد ينحصر عليه.

الجهاز المناعي: عرّف الكاتب الأطفال بالجهاز المناعي (Immune System) الذي قد يكون لهم أمرًا غير معروف، فسلّط الضوء على عمله وأهميتة في نظامنا الصحي “فالجهاز المناعي هو منظومة من العمليات الحيوية التي تقوم بها أعضاء وخلايا وجسيمات داخل أجسام الكائن الحي بغرض حمايتها من الأمراض، مثل الميكروبات أو فيروسات”[35].

العدوى: وهناك نقطة صحية وهي العدوى وأثرها الضار على الأجسام، فيعرِّف الكاتب الأطفال من خلال القصة بأن العدوى تنتشر من شخص إلى شخص سليم، وذلك بسبب دخول الفيروسات والبكتيريا المهلكة والضارة. وهناك نقطة أخرى أشار الكاتب إليها وهي أن الفيروسات والبكتيريا لا تدخل جسم الإنسان إلا من الفم والعين والأنف، وتعمل الأيدي عملية المواصلة بينها لذا لا بد من غسل اليدين قبل كل عمل وبعده.

اللغة والأسلوب:

تختلف اللغة المستخدمة في أدب الأطفال في بعض طرائقها عن اللغة القصصية المقدمة للكبار، وذلك بسبب تباين قدراتهم المعرفية وخلفياتهم الثقافية، واختلاف أعمارهم وتجاربهم في الحياة.

ولقد وعى الكاتب البكري ضرورة تصميم اللغة التي تبني الصورة القصصية بشكل يلائم ثقافة الأطفال ومعرفتهم، وتعمّد استخدام لغة بسيطة لإلقاء المعرفة في ذهن قارئه الصغير. فجاءت رواية (سباق في الزقاق) على سبيل المثال، ذات لغة بسيطة فصيحة اللسان، تخاطب السن المبكرة للطفل حسب سهولة ألفاظها وتراكيب عباراتها التي تدعو الأطفال إلى قراءتها دون وجود صعوبة في فهمها:

“وأنا لا أحبذ التشدد وركوب الصعب في النص، وأن نجعله درسًا في اللغة العربية، أو قاموسًا نسعى من خلاله إلى تعليم الطفل المفردات الجديدة بكثافة. وبالرغم من أهمية تعليم الطفل للغته، فإن شحن النص القصير بعدد كبير من المفردات الأعلى من قاموس الطفل الصغير، ينفر الطفل عن القراءة ويبعده عنها”[36]. على أن هناك عنصرًا فكاهيًّا وترفيهيًّا يوجد دائمًا في جميع أعماله الأدبية. ويزداد عنصر الفكاهة بصورة واضحة عند إضافة بعض العبارات الجميلة ذات الوقع الموسيقي في نصوصه مثل رواية (كوابيس نورة):

“وَأينَ يَجدُ الطائِرُ رَاحَته إنْ لمْ يَجدِ الأمَانَ فِي عشِّه! والعِشُّ الذي يَبنيهِ الطَّائر يبنيهِ بِحبٍّ وَإخلاصٍ، وَيقضِي في بنائه أيَامًا طويلة عديدة، يَجمع فيه القَشَّة إثرَ القَشة، يرتبها بِعِناَيةٍ ودِقَّة بَالغة، حتَّى يَبنِي بَيتًا قَويًّا يَصمدُ عَلى غُصنِ الشَّجَرَة فِي وَجهِ الرِّياحِ وَالعَواصِف، وَيحمِي بِهِ بَيضِه وَأبنَاءه مِنَ الأعْدَاء.. وَكانَ يَحلو لِنورة أنْ تنشدَ أغنيةَ العُصفورِ السَّعيدِ:

فِي الْبُسْتَانْ.. في الْبُسْتَانْ

شَـقْشَقَ عُـصْفُورٌ رنّانْ

رَفّــتْ أوْرَاقُ الأزْهـارْ

مَـاسَتْ أغْصَانُ الأشْجَارْ

غَـنَّـتْ أوتَـارُ الألْـحَانْ”[37].

والأدب الخاص بالأطفال عنده لا بد أن يكون يسيرًا جدًا، “ولكتابة النص الجيد أسس مذكورة معروفة ومبادئ منصوصة، وأدوات منشورة في كثير من المراجع، ولن أعيد تكرارها وتوصيفها، وإن كان لي فيها رأي موافق في جانب ومخالف في آخر، لكني أعجب ممن يريد فجأة أن يكون كاتباً للأطفال، دون أي أدوات خاصة، وإرهاصات سابقة، فكيف يقرر هذا القرار الخطير من لم يقرأ من مجلات الأطفال غير عناوين أغلفتها، ولم يحفظ من أغنيات الأطفال غير ما سمعه من أيام الطفولة، ولم يلعب مع الأطفال، ولم يزر مدارسهم وأنديتهم وأسرة مستشفياتهم، ولم يعرف عن الأطفال وأمزجتهم وصنوفهم ومشاعرهم وكتبهم وتربيتهم سوى القليل القليل”[38].

وأجد أحيانًا في أسلوب البكري في كتابة قصصه ما يشبه أسلوب رائد أدب الأطفال العرب كامل كيلاني؛ وربما بسبب كونه متأثرًا به، ويؤكد ذلك أنه اختاره موضوعًا للبحث والدراسة في مرحلة الماجستير[39].. بعنوان “كامل كيلاني رائدًا لأدب الطفل العربي”.

وقد لجأ البكري لترفيه وتسلية الأطفال إلى مقاطع شعرية في قصصه مثلما فعل كامل كيلاني، وعلى سبيل المثال قصة (سباق في الزقاق) التي أقتبس منها: “الزقاق يبدو كأنه نهر من الأحجار الكريمة المرصوصة بعناية ودقة وإحساس فنان.. يمضي طويلاً برشاقة بين بيوت حجرية قديمة أنيقة.. كان يركض مسرعًا.. مسابقًا ومطاردًا.. متقدمًا ومتراجعًا.. كأنه قول الشاعر الجاهلي امرئ القيس في وصف فرسه الجموح، (أو ربما نفسه وهو يقود فرسه):

مِكَـرٍّ مِـفَــرٍّ مُقْبِلٍ مُـدْبِــرٍ مَعــًا   …….  كَجُلْـمُوْدِ صَخْرٍ حَطَّهُ السَّـيْلُ مِنْ عَلِ

تراه حينًا رافعًا سبابة يده اليمنى، مهددًا ومزمجرًا، وفي يده الأخرى عصا طويلة، من خشب مصقول لماع.. على جانبها نقش لأنواع من الطيور”[40].

خاتمة البحث:

لقد تقصى هذا البحثُ بعض الأعمال الأدبية من قصص وروايات الأطفال التي كتبها الدكتور طارق أحمد البكري، وركَّز على جوانب عديدة من نتاجه الأدبي. وأثبت البحث أن هذا الأديب والكاتب والصحفي البارز حريص أشد الحرص على التنوع في موضوعاته وغرس القيم الدينية والاجتماعية والصحية.

وهذا البحث يمثل نظرة عابرة على إسهامات البكري، ولا أستطيع فيه استيعاب جميع مساهماته في مجال أدب الأطفال وصحافتهم، كما أنه محاولة متواضعة تناولت بعض الجوانب من جهوده في هذا المجال. وأتمنى أن يمهد هذا البحث للباحثين الطريق إلى أن يتوجهوا إلى هذا الأديب البارع، الذي يعد من رواد أدب الطفل العربي في القرن الحادي والعشرين، وأن يدرسوا جهوده المشكورة عن طريق رسائل وأطروحات جامعية.

وفي الختام، وبعد دراسة أسلوب البكري تتبين الأمور الآتية في نصوصه:

  • استخدام الأسلوب السهل البسيط.
  • استخدام أسلوب ترفيهي وجذاب لتسلية الأطفال وإثارة ميولهم لقراءة اللغة العربية.
  • مراعاة سن الأطفال وميولهم على حسب متطلبات العصر.
  • اعتماد الألفاظ السهلة الجديدة.
  • مزج النثر بالنظم ليستمتع الطفل بالقراءة وليمكن لسانه من الفصاحة.
  • استخدام الصور الملونة الجذابة.
  • اللجوء إلى المعلومات التدريجية مع مراعاة سن الأطفال وإدراكهم.

[1]  حصلت على هذه المعلومات من سيرة الكاتب الذاتية التي أرسلها إلي. 

[2]  المصدر نفسه.

[3] عالم، محمد محبوب، “حوار صحفي حول أدب الطفل وإبداعه مع د. طارق البكري”، مجلة الجيل الجديد www.aljeelaljadeed.in، ع4، ج2، 2019م، ص: 205.

[4] المصدر نفسه.

[5] حصلت على هذه المعلومات من سيرته الذاتية. 

[6] مجلة الجيل الجديد، ع4، 2019م، ص: 205.

[7] البكري، د. طارق، “سيرة إبداعية”، مجلة الطفولة العربية، ع74، 2018م، ص: 107.

[8] المرجع نفسه، ص: 107-108.

[9] حصلت على هذه المعلومات من سيرته الذاتية.

[10] المصدر نفسه.

[11] مجلة الطفولة العربية، ع74، ص: 103.

[12] المرجع نفسه، ص: 106.

[13] الغامدي، نورة بنت أحمد بن معيض، قصص الأطفال لدى يعقوب إسحاق عرض وتقويم، (رسالة ماجستير في اللغة العربية وآدابها تخصص أدب أطفال، قسم الدراسات العليا العربية، كلية اللغة العربية، جامعة أم القرى، 2011م)، ص: 69، (نقلاً عن نجيب الكيلاني، أدب الأطفال في ضوء الإسلام، مؤسسة الرسالة، ط4، 1996م، ص: 128).

[14] البكري، د. طارق، الشيخ والأصدقاء، مبرة الآل والأصحاب، (مركز البحوث والدراسات بالمبرة، ط1، 2008م)، ص: 8-9.

[15]  أخرجه أحمد في المسند 2/187، وأبو داود في السنن، كتاب الصلاة، رقم: 494.

[16] الغامدي، نورة بنت أحمد من معيض، قصص الأطفال لدى يعقوب إسحاق عرض وتقويم، ص: 105.

[17]World Drug Report 2019, United Nations, Office on Drug and Crime, www.unodc.org/unodc/en/frontpage/2019/June/world-drug-report-2019_

[18] الخليج أونلاين، “إنفوجرافيك.. أكثر الدول العربية تعاطيًا للمخدرات وأشهر أنواعها” www.alkhaleejonline.net ، تاريخ النشر: 24 أبريل 2018م، تاريخ الزيارة: 12 نوفمبر 2019م.

[19] البكري، د.طارق، للقمر وجوه كثيرة، المشروعْ التوعوي الوطني للوقاية من المخدرات (غراس)، 2013م، ص: 5-6.

[20] المرجع نفسه، ص: 59.

[21] البكري، د.طارق، للقمر وجوه كثيرة، المشروع التوعوي الوطني للوقاية من المخدرات ص: 57.

[22] الغامدي، نورة بنت أحمد من معيض، ص: 118، (نقلاً عن منصور إبراهيم الحارثي، “ثقافة الطفل إبداع وابتكار” من كتاب (ملتقى بحوث ثقافة الطفل)، ص: 882).

[23] البكري، د. طارق، ود. عبد الله بدران، مدرستي الخضراء، (الكويت: الجمعية الكويتية لحماية   البيئة، 2012م)، ص:27-28.

[24] وزارة الإعلام لدولة الكويت، وكالة الأنباء الكويتية تصدر العدد العاشر من مجلة (كونا الصغير)  للأطفال، www.media.gov.kw  تاريخ الزيارة: 12 نوفمبر 2019م.

[25] المرجع نفسه.

[26] المرجع نفسه.  

[27] رواه البخاري، في “الأدب المفرد”، رقم 273. وابن سعد، في “الطبقات”، رقم 192/1.

[28] الحمود، إبرهيم بن ناصر، “القيم الأخلاقية في التعليم ودورها في التنمية” صحيفة المدينة www.al-madina.com، تاريخ النشر: 7 ديسمبر 2011م، تاريخ الزيارة: 8 نوفمبر 2019م. 

[29] مجلة كونا الصغير، ع18، فبراير 2019م، ص: 12-13.

[30] أورده الألباني في السلسلة الصحيحة عن عبد الله بن عمر، الرقم: 906، ص: 574.

[31] عتمان، علي عبد التواب محمد، “دور رياض الأطفال في توعية طفل الروضة بمفاهيم الثقافة الصحية من وجهة نظر المعلمات وأمهات الأطفال في ضوء بعض المتغيرات” مجلة كلية التربية، جامعة الأزهر، ع169، يوليو 2016م، ص: 24-25، (نقلاً عن بداح، أحمد محمد وآخرون، الثقافة الصحية، الأردن: دار المسيرة، 2014م، ص: 14). 

[32] المرجع نفسه، ص: 13.

[33] مجلة كونا الصغير، ع12، يونيو 2017م، ص: 18-19.

[34] المرجع نفسه، ص: 16-17.

[35] Abbas, Abul k, Anrew H. Lichtmen and Shiv Pillai, Basic Immunology: Funtions and Disorders of Immnity system, Philadelphia: ElSevier Saunders, 1ed, 2014, p. 1-20.

[36]  مجلة الطفولة العربية، ع74، ص: 105.

[37] البكري، د. طارق، كوابيس نورة، (الشارقة: دار المكتبي للطباعة والنشر والتوزيع، 2017م)، ص: 3.

[38] مجلة الطفولة العربية، العدد الرابع والسبعون، ص: 104.

[39] البكري، د. طارق، كامل كيلاني رائدا لأدب الطفل العربي، (رسالة ماجستير، جامعة الكويت، كلية الدراسات العليا).. الرسالة طبعت في بيروت عام 2014م وصدرت عن دار الرقي اللبناني.

[40] البكري، د. طارق، سباق في الزقاق، (دمشق: دار الحافظ، 2013م)، ص: 5.

المصادر والمراجع:

  • القرآن الكريم.
  • سنن أبي داؤود.
  • صحيح البخاري.
  • مسند أحمد.
  • السيرة الذاتية للدكتور طارق أحمد البكري.
  • بداح، أحمد محمد، وآخرون، الثقافة الصحية، الأردن: دار المسيرة، 2014م.
  • البكري، د. طارق، الشيخ والأصدقاء، مبرة الآل والأصحاب، مركز البحوث والدراسات بالمبرة، ط1، 2008م.
  • البكري، د. طارق، سباق في الزقاق، دمشق: دار الحافظ، 2013م.
  • البكري، د. طارق، كامل كيلاني رائدًا لأدب الطفل العربي، رسالة الدكتوراه، المقدمة لجامعة الكويت، كلية الدراسات العليا.
  • البكري، د. طارق، كوابيس نورة، الشارقة: دار المكتبي للطباعة والنشر والتوزيع، 2017م.
  • البكري، د. طارق، للقمر وجوه كثيرة، المشروعْ التوعوي الوطني للوقاية من المخدرات (غراس)، 2013م.
  • البكري، د. طارق، ود. عبد الله بدران، مدرستي الخضراء، الكويت: الجمعية الكويتية لحماية البيئة، 2012م.
  • الغامدي، نورة بنت أحمد بن معيض، قصص الأطفال لدى يعقوب إسحاق عرض وتقويم، (رسالة ماجستير في اللغة العربية وآدابها تخصص أدب أطفال، قسم الدراسات العليا العربية، كلية اللغة العربية، جامعة أم القرى، 2011م.
  • الكيلاني، نجيب، أدب الأطفال في ضوء الإسلام، بيروت: مؤسسة الرسالة،ط4، 1996م.

الصحف والمجلات:

  • البكري، د. طارق، “سيرة إبداعية”، مجلة الطفولة العربية، ع74، 2018م.
  • الجيل الجديد، مجلة علمية محكمة نصف سنوية صادرة في دلهي، ع4، ج2، 2019م aljeelaljadeed.in.
  • صحيفة الخليج أونلاين (إلكترونية) alkhaleejonline.net
  • صحيفة المدينة al-madina.com.
  • كونا الصغير، مجلة فصلية للأطفال، الصادة عن وكالة الأنباء الكويتية، الكويت.
  • مجلة كلية التربية، جامعة الأزهر، ع169، يوليو 2016م.
  • الموقع الرسمي للأمم المتحدة unodc.org.
  • الموقع الرسمي لوزارة الإعلام لدولة الكويت media.gov.kw.

الكتب الأجنبية:

  • Abbas, Abul k, Anrew H. Lichtmen and Shiv Pillai, Basic Immunology: Funtions and Disorders of Immnity system, Philadelphia: ElSevier Saunders, 1st ed, 2014.

* باحثة، قسم اللغة العربية، جامعة مولانا آزاد الوطنية الأردية، حيدرآباد، الهند.