حوار مع الأديب الألمعي أيمن دراوشة

حوار مع الأديب الألمعي أيمن دراوشة
أيمن دراوشة

حاورته: خولة خمري*

معنا في هذا الحوار الشاعر والأديب الأردني المتميز أيمن دراوشة الحائز على العديد من الجوائز والتكريمات في الوطن العربي في مجالات كثيرة منها البحث العلمي والنقد والأدب بمختلف أنواعه شعرًا ونثرًا… فضلا عن أن له العديد من المؤلفات حول المسرح وأدب الطفل ومجموعة من الدراسات النقدية. كما له العشرات من الدراسات النقدية الرصينة المنشورة في مجلات دولية محكمة وأخرى إلكترونية والكثير من الصحف والمجلات الأدبية والنقدية المتخصصة. ومن أهم مؤلفاته: إبداعات قصصية، ومسرحيات للأطفال، وحين يهبط الليل (مجموعة قصصية)، وكم كنا رائعين معًا (مجموعة قصصية)، والتاج العظيم (مجموعة قصص للأطفال)، وصعوبات التعلم بين النظرية والتطبيق، وإحداثيات الزمن في اللغة العربية، والحب والتمرد في السرد الروائي العربي.

*****

س. بداية: كيف يقدم لنا الشاعر والناقد الأردني أيمن دراوشة نفسه؟ وخلاصة ما عاشه من تجارب للقراء والمتابعين؟

ج. مثل أي إنسان بسيط له أحلام وأماني، وموهبة ربانية توسعت لتشمل كل الأجناس الأدبية، وتجاربي مع الأصدقاء والمتابعين وغير الأصدقاء صقلت موهبتي سواء كانت التجارب سلبية أو إيجابية، أحب الجميع ولا أحقد على أحد ومستمر بالتنويع والتجديد حتى أصل إلى مبتغايا إن شاء الله تعالى.

س. لكل كاتب بداية فكيف كانت بدايتك مع الكتابة؟

ج. بداياتي كانت من عمر 9 سنوات حيث نُشرت أول خاطرة لي بجريدة “الدستور” الأردنية، وعلى الرغم أنني لم ألق التشجيع إلا أنني تابعت المسيرة متحديا كل ما واجهني من صعوبات وتكسير أجنحة واستهزاء… بعد نشر خاطرتي هذا دفعني للقراءة لكبار الكتاب من روايات وقصص ومجلات متنوعة حتى عرفت عنوان بريدهم العادي قبل عصر الإنترنت، وأصبحت أراسل المجلات حتى نشرت لي مجلة “العربي” الشهيرة آنذاك مما كان تحولاً كبيرًا في مسيرتي الأدبية.

س. ما هي قراءتك للمشهد الثقافي والأدبي في الوطن العربي اليوم خاصة مع انتشار ظاهرة الروائيين الشباب؟

ج. ليس الروائيين فقط وإنما الشعراء والقاصين والفنانين… قراءتي للمشهد هو مشهد مثير للغثيان في ظل انعدام الرقابة وتزاحم الألقاب وشهادات إبداعية من مواقع التواصل لمن هب ودب… تشتت المثقفين والمبدعين جعلتهم لا يرون أبعد من أنوفهم… الثقافة في وطننا العربي هي ثقافة المصالح، بل تحولت إلى أسوأ ما يمكن تصوره ومهنة من لا مهنة له… لكني لا أعمّم فهناك الجهات الثقافية النزيهة وبعض المواقع الثقافية التي تكرم المبدعين دون محاباة وتمييز واختلاف الدين والجنسيات، لكنها مع الأسف قليلة ونادرة جدا…

تهافت الشباب لطباعة المواد الغثة من الأدب لن يصنع مبدعًا أبدًا، وبعض دور النشر تحولت إلى دور تجارة ونهب وأكاذيب، وطباعة كتب رديئة شكلاً ومضمونًا… وأما المسابقات الدولية الثقافية فأنا لا أعترف بها إطلاقًا ولا بلجان تحكيم.

س. يقول الروائي الفرنسي ألبير كامو: “الثقافة هي صرخة البشر في وجه مصيرهم” هل من تعليق؟

ج. هذا الكلام ينطبق على الإبداع أكثر منه على الثقافة… فالكتابة النابعة الصادقة المتولدة من الجراح والمعاناة هي صرخة المثقف المبدع بوجه مصيره المحتوم… الصرخة لا يطلقها سوى من عايش المعاناة والقهر بكل تفاصيلهما.

س. شهدت الساحة الأدبية العربية مؤخرا شيوع ظاهرة أدهم الشرقاوي فصارت عباراته يتداولها الشباب بكثرة بينهم، برأيك ما سر وصول أدهم إلى قلوب الشباب العربي عن غيره من الكتاب؟

ج. عبارات المشاهير القدماء ظاهرة صحية ومفيدة، وأنا أرغبها بكثرة، ومواقع التواصل تعج بتلك المقولات التي تدفعنا إلى تغيير كثير من سلوكاتنا والحذر من الغدارين… هي فلسفة لكن فلسفة بسيطة وراقية وقابلة لأن تغير ما في نفوس البشر نحو الأفضل… أما عبارات أدهم الشرقاوي فسبب شيوعها محفزات العصر الذي نعيشه ومناسبتها لأوضاعنا السياسية والاجتماعية المتردية، وكونها تسكن القلب وتستقر بكل عفوية… أدهم الشرقاوي شخصية لن تتكرر وعباراته تتميز عن عبارات الآخرين بقوة تأثيرها وشموليتها.

س. ظاهرة غريبة يتعمدها أغلب الكتاب اليوم وهي كسر الطابوهات بجعل كتاباتهم تعج بالعبارات الجنسية، برأيك هل هذا هو السبيل الوحيد للوصول إلى العالمية؟ وما هو البديل الذي يطرحه أيمن دراوشة باعتباره كاتبًا؟

ج. هؤلاء تافهون فمسألة إقحام الجنس بالكتابات لن تصنع جمهورًا أبدا، هم يطبقون مقولة الجمهور عاوز كده، لكن الصحيح ليس الجمهور عاوز كده فهو إن أراد مثل تلك الأمور فلن يذهب لروايات جنسية أو مجلات مصورة كما كان في السابق، أظن كلامي مفهوما… وضع صورة إباحية على غلاف إحدى الروايات ربما زاد من مبيعاتها، لكن هذا لن يلغي تفاهتها أبدا… الكتابات الإباحية ليست حلا، وأثبتت فشلها عند الغرب، فزادت من الاغتصاب والانحرافات السلوكية والشذوذ الجنسي… لدينا من القضايا ما هو أهم من هذه القضية التي أفسدت جيلا بكامله… وسبب انتشار هذه الظاهرة هو غياب الرقابة باسم حرية التعبير، ومصيرها الزوال ومزبلة التاريخ… كيف يرضى القارئ أن يضع كتابات منحطة في مكتبته لتكون في متناول أولاده… لكن مشكلتنا الآن ليست بالكتب، ما ينشر على اليوتيوب ومواقع التواصل من إباحيات مختلفة مدمرة لأولادنا… الحلال بين والحرام بين والقرار للقارئ في النهاية وليس لي.

س. ما قيمة الجائزة الأدبية في رأيك؟ وهل يمكن أن نرى كاتبًا عربيًا يحصل على جائزة نوبل للآداب بعد نجيب محفوظ؟

ج. الجائزة الأدبية حافز للمزيد من الإبداع، لكني لا أعتبرها أساس وشهادة تميز… فكم من كاتب استحق الفوز ولم يفز أبدًا في حياته، وذكرت سابقًا في مقدمة الحوار أنني لا أعترف بالمسابقات العربية ولا بلجان تحكيم مهما كانت الأسماء لامعة فهي غير نزيهة ولست بحاجة إليها على الرغم من فوزي دوليًا ثلاث مرات…

وجائزة نوبل هناك من يتلاعب فيها، قديمًا كانت نزيهة، حتى فوز نجيب محفوظ هناك من أثار الشك حولها على الرغم من أن نجيب محفوظ يستحق الأكثر من نوبل، لكن هناك بصمات سياسية وربما صهيونية هي من تفرض الفائز سواء كان الأديب عربيًا أو غيره… لدينا كتاب عرب جديرون بالجائزة أيضًا روائيون وشعراء وقاصون وباحثون وعلماء… لكن الجائزة تكيل بمكيالين.

س. هل بالإمكان إيجاد نوع من المقاربات التثاقفية الجديدة الجامعة بين الثقافتين العربية والغربية لحل الجدل الدائر بين بنية العقل الشرقي والغربي من خلال تشاكل ثقافي كوني جديد بعيدًا عن سلطة المركزية الغربية؟

ج. ممكن طبعًا، فكما أخذ الغرب من العرب العلوم والثقافة ودمجها بثقافته، نحن أيضًا أخذنا منهم وتأثرنا بثقافتهم… الاختلاف بين بنيتي العقل شيء طبيعي، لكن فلنأخذ القريب من بنيتنا وتطويره وليس بتقليده… ومشكلتنا أننا نتعامل مع الغرب بأنهم شعوب أفضل منا من جميع النواحي الحياتية علمًا وإبداعًا وحريةً وتطورًا… ودخول فن شعر الهايكو على الأدب العربي شيء جميل طالما سيغير في بنية شعرنا التقليدي دون هدم القديم…

س. حضرتك تجمع بين الأدب والنقد حدثنا عن هذه التجربة؟

ج. النقد ليس تخصصي، وإنما اكتسبته اكتسابًا نتيجة قراءاتي لكثير من النصوص لزملائي المبدعين وكذلك قراءاتي لكثير من النصوص المنقودة لكبار النقاد في الوطن العربي وتمكني من المناهج الغربية البسيطة والمعقدة، من هنا راق لي النقد فنشرت لي أكثر من 300 قراءة نقدية في المجلات والمواقع إضافة إلى مؤلفاتي في هذا المجال، وسعيد جدًا بأن لي بصمة خاصة في النقد ولا أنتهج نهجًا معينًا سواء غربيًا أو عربيًا.

س. كناقد ما مدى قدرة النقاد العرب على إيجاد نظرية نقدية عربية أصيلة تمتاح من النظريات النقدية الغربية ومصطلحاتها وكذا التراث العربي الأصيل من خلال كتابات رواد النقد العربي القديم أمثال عبد القاهر الجرجاني وغيره؟

ج. هذا لن يحدث أبدًا، فالنقاد العرب لا يعترفون بالحركة النقدية العربية، ويتفاخرون بالنقاد الغرب ومناهجهم المجنونة… ومهما حاول النقاد العرب إيجاد منهج نقدي عربي، فلن يستطيعوا الابتعاد عن المناهج الغربية ولا بأي شكل من الأشكال.

س. في نهاية حوارنا الشيق هذا، نطرح عليك سؤالاً أخيرًا وهو ما هو تصورك لواقع الأدب في الوطن العربي في المستقبل البعيد؟

ج. ستختفي الكتب الورقية وستصبح السيادة للإلكتروني، فهو الأكثر انتشارًا والأكثر قراءة… وأما واقع الأدب العربي في المستقبل البعيد، فهو بحاجة لسنوات حتى يتطور وينافس غيره من الثقافات الأجنبية.

س. كلمة أخيرة تعبر فيها عما يجول بخاطرك وما تود قوله للجمهور والمتتبعين من نصائح؟

ج. أتمنى لجمهوري النجاح والتوفيق في أعمالهم الإبداعية، وأقول لهم أن يترووا قبل الطباعة، وليس من الخطأ عرض المادة التي يراد طباعتها على مختصين ونقاد  لتدقيقها، وإبداء الرأي حولها قبل التفكير بطباعتها، فأنا على مستوى منشور على الفيس لن أتوانى عن عرضه على مختص في الشعر أو القصة، وأكون مسرورا عندما أجد نصي قد أصبح أكثر قوة وانعداما للتناقض والأخطاء، وتقديري طبعا لمن مد لي يد المساعدة، كبار الشعراء والكتاب يخطئون فليس عيبا عرض المواد على أصحاب الخبرة والاختصاص.

تنسم ربيعك يأتيك مخضرا سلسبيلا  كل الشكر والتقدير دكتورة خولة صراحة أسئلتك مميزة وحوارك مختلف عن بقية الحوارات… شكرا لك مرة أخرى، وتحياتي لمن نشر هذا الحوار.

* باحثة جزائرية.

 

تحميل الحوار