كتاب “الاتجاه شرقا”: رسالة التسامح والتعايش السلمي للعالم: دراسة استعراضية

لتحميل المقال انقر هنا

 

 

 د. سعيد الرحمن*

ملخص البحث:

هذا البحث عبارة عن دراسة استعراضية لكتاب “الاتجاه شرقا” لعبد الله ناصر سلطان العامري، السفير السابق لدولة الإمارات العربية المتحدة  لدى نيودلهي، وهو صاحب كتاب “على ضفاف نهر الغانج”. يأتي كتاب “الاتجاه شرقا”ضمن أدب الرحلة بدون أي تردد إلا أن فيه بعض عناصر الرواية أيضًا. قدم المؤلف المشاهدات والخيال والحقائق مع الأساطير والتاريخ مع ذكر القصص الشعبية والديانات مع الملحمات القديمة من “الرامايانا” و”المهابهارتا”.

قدّم صاحب الكتاب في هذا الكتاب رحلته الشيقة لـ”هيماتشال براديش” و”منالي” والممرات الجبلية والكهوف والمرتفعات والهضاب المتوجة بالثلوج، وكذلك صوّر منطقة لداخ وليه وبعض البحيرات فيها ومعابد البوذية. وشملت الرحلة “التبت” و”لاهسا” وبعض دول آسيا الوسطى ومكان السّد والردم لقوم يأجوج ومأجوج للبحث عن حقيقة أقوام تعيش تحت الأرض منذ آلاف السنين وهم يتناسلون وعددعم ربما يفوق عدد الإنسان على الكرة الأرضية. والمهم في هذا الكتاب هو الدعوة إلى التعايش السلمي والتسامح بين أتباع الديانات والثقافات واللغات والتسابق في عمل الخير وصنع السلام.

كلمات مفتاحية: أدب الرحلة، البوذية، التبت، التعايش السلمي، الهند.

مقدمة:

تعد الهند دولة مترامية الأطراف، يكثر فيها المعتقدات والفلسفات واللغات والأساطير. يقال إن وحدة الهند تكمن في تنوعها. وهنا في الهند كانت حركات تدعو إلى وحدة الدين (لا أديان) وهو عبادة الله وحده والتسابق في عمل الخير والإنسانية مثل حركة –بهكتي–. وقد قام كثير من علماء اللاهوت من الهندوس والمسلمين والبوذيين بالجمع بين تعاليم الأديان المختلفة في زمن الملك المغولي جلال الدين أكبر إلى عصر الملك أورنك زيب عالمغير. وفي زمن الملك جلال الدين أكبر نُقلت أكثر من ثلاثة آلاف مخطوطة سنسكريتية في الديانة الهندوسية إلى اللغة الفارسية ونتيجة لحركة الترجمة حصل هناك احتكاك بين الهندوس والمسلمين حتى قام الأمير داره شكوه بن الملك شاه جهان (صاحب التاج محل) بترجمة “الأوبانيشد” إلى اللغة  الفارسية. ومن خلال ترجمته الفارسية اطلع علماء الغرب على أقدم تراث هندوسي ديني. عندنا في كل ولاية بعض العلماء الذين ألَّفوا كتبًا في احترام الديانات الأخرى.

أصحاب الطريقة الصوفية المشهورة باسم النقشبندية معروفون باحتكاكهم لبعض طرق التأمل والتنفس عند البوذيين. وفي القرن الخامس عشر، قام القاضي ركن الدين السمرقندي بنقل أشهر كتاب في اليوغا ألا وهو كتاب “أمرتكندا” إلى اللغة العربية باسم “حوض ماء الحياة” وقد وصل هذا الكتاب إلى أوساط صوفية في دول آسيا الوسطى ومصر وبعض دول إفريقيا. 

والترجمة الفارسية لهذا الكتاب متاحة في بعض المكتبات باسم “بحر الحياة” نقله إلى اللغة الفارسية الصوفي الشهير محمد غوث الكوالياري المدفون بقلعة كواليار بولاية مادهيا براديش. وهناك كتب ومخطوطات وأغاني وأناشيد شعبية وتعبدية تدعو إلى احترام الأديان والثقافات، وفي كثير من الأحيان إلى محاكاة بعضهم البعض، ولكن الأوضاع قد تغيرت واحترام الديانات والثقافات يتقلص والتعددية الاجتماعية في خطر. فلا بد من تصوير هذا الجانب أيضًا حتى تكتمل الصورة. فللعملة وجهان وفي الإنسان خير وشر وصالح وطالح.

ولاكتشاف هذا التنوع في الدين والمعتقد والفلسفة واللغات والثقافات لا بد من القيام بأسفار عديدة لولايات الهند الشهيرة حتى تستكمل الصورة الصحيحة للهند.

حينما أراد الأستاذ عبد الله ناصر سلطان العامري (حفظه الله ورعاه) أن يدوِّن رحلته في الهند والتبت وبعض دول آسيا الوسطى فلا بد أن تكون لديه فكرة أساسية أو رسالة سامية أو قيم أخلاقية وإنسانية يريد إيصالها إلى القراء. وحاولت أن أتعرف على شخصية المؤلف من خلال صفحات هذا الكتاب، لأن كل ما يكتبه الإنسان من قصة أو مقالة أو شعر  يكون جزءً من عقله وقلبه. فبدون البحث في نوعية النص في كتاب “الاتجاه شرقا” سواء كان نصًا مفتوحًا أو غير مفتوح أحاول في الكشف عن الرسالة والمعاني والمبادئ التي يدعو إليها المؤلف ويحتوي عليها الكتاب. إن كتاب “الاتجاه شرقا” كتاب رحلة ممتعة وشيقة جدا. قد شملت الرحلة بعض الولايات الشمالية للهند مثل “هيماتشال براديش” والمدن الواقعة بجوار الهيمالايا و”لداخ” و”ليه” و”كاتماندو” –عاصمة نيبال- ثم “التبت” و”لاهسا” وبعض المناطق الواقعة بين طاجكستان وقيرغيزيستان مع جبالها وهضابها وقصورها ومروجها وسهولها ومعابدها ودكاكينها.

خصائص هذه الرحلة:

إن هذه الرحلة تجمع كل خصائص وعناصر الرحلة المعروفة المطردة في التراث العربي المتصل. فيها ذكر المدن والقصور والمساجد والمعابد والكنائس والغابات والأجمات والكهوف والمغارات والحيوانات. ذكر المؤلف في هذا الكتاب الأديان والمذاهب والمعتقدات والأساطير والملحمات والقصص الشعبية والخرافات. وفيه الحديث عن الهندوسية والبوذية والإسلام وطرق عبادة الهندوس والبوذيين، وكذلك ذكر فيه قصصا من “الرامايانا” و”المهابهارتا” من الملحمات القديمة في الهند والأساطير مثل “الياك” و”الياتي”. تصوِّر هذه الرحلة أخلاق الناس وعاداتهم وملابسهم حتى ملامح وجوههم من الابتسامة والعبوس والتجهم والانبساط والفرح.

الفكرة الرئيسة في هذا الكتاب:

يهدف الكتاب أساسا إلى تعزيز فكرة التعايش السلمي والتسامح بين أتباع الديانات والثقافات واللغات واحترامها والدعوة إلى إحياء الصفات المشتركة بين بني البشر والتخلق بها لخلق بيئة خالية من العداوة والبغضاء والحروب اللامتناهية. يقول المؤلف: “على الرغم من أن الجنس البشري يختلف فكرًا ومعتقدًا عن بعضه البعض، ورغم اختلاف الديانات والمذاهب، إلا أن الفطرة داخل الإنسان تدفعه لعمل الخير والمشاركة في صنع المحبة والسلام. نحن نأخذ الأمور بالظن الحسن، واحترام ما يعتقد غيرنا، هي فضائل يؤمنون بها من هدوء وإيمان واطمئنان مؤد إلى سلام روحي، ونقاوة في الصفات التي تقرب البشر بعضهم من بعض وتخلق توازنا وعدالة بين الناس… هي صفات مشتركة تجمع البشرية كلها”[1]. فإن فكرة التسامح والتعايش السلمي والدعوة إلى عمل الخير والإحسان والعدل سائدة في هذا الكتاب.

قوة الإرادة والثقة بالنفس والانفتاح على العالم:

يحمل هذا الكتاب في طيه رسالة قوية إزاء التغلب على الصعوبات وتذليل العقبات واتخاذ سبل النجاح والفوز والتقدم، وليس من مفردات هذا الكتاب الاستسلام والخمول بل التقدم إلى الأمام والسعي في الحياة وإحراز الإنجازات.

كتب المؤلف في الإهداءإلى أصحاب الإرادة والعزيمة الذين لا يعرفون الهزيمة ولم يستسلموا أمام الصعاب يلقن المؤلف درسًا مهمًا جدا في بيان أسباب الانتصار والنجاح في الحياة بلسان السيد “راج” مدرب التسلق على الجبل: “أيها السادة لي الشرف أن أصحبكم في هذه الرحلة التي أثبتم فيها كل معاني العطاء والتحمل والجلد والإيثار وهذه أمور أنتم أدرى مني بعظمتها عندما يمتلكها الإنسان. أنا لا أعرف أية صفة للنجاح أكثر مما حققتموه بالمثابرة والجهد، أنتم أشخاص لا يمكن هزيمتهم لأن اليأس لم يتسرب إلى نفوسكم ولو تركتم له ذلك لكنت رجوتكم ألا نستمر في هذه الرحلة”[2].

ويمكن أن نطلع على وجهة نظر المؤلف في الحياة والكون والدين والحقيقة والإرادة الربانية والتعامل مع أتباع الديانات والمعتقدات حتى الخرافات والأساطير في ثنايا هذا الكتاب الممتع. فيكتب المؤلف عن نظرته في الحياة والكون: “إن هذا النهر والشجر والجبال والحيوان وأسراب الطيور المختلفة حولنا وحياة البشر على الطرقات أو في الحقول أو القرى التي نمر عليها، منظومة متكاملة للحياة وإنها منظومة واحدة يحكمها الإنسان بقدرات ربانية لا يمكن تصورها، وإن تتخللها بعض الغموض أحيانا”[3].

البحث عن حقيقة الأقوام التي تعيش تحت الأرض:

وأما الافتراض أو الحقيقة الممزوجة بالأساطير والتي بنى عليها القصة والتي من أجلها قام المؤلف بالأسفار الطويلة وتحمل المشاق فهي أن أقواما تعيش تحت الأرض أمثال “الحن” و”المن” و”الماديون” و”العمالقة” و”الدروب” وأنهم على علاقة مع “يأجوج ومأجوج” وأنهم يتناسلون وأن عددهم ربما يفوق عدد الإنسان على كرة الأرض بخمس مرات أو سبع مرات.

وطبقا لمعتقدات بعض الديانات أن قوما نزلوا من السماء إلى الأرض فتحطم مركبهم فلم يستطيعوا الرجوع إلى السماء أبدا فاستوطنوا الأرض قبل 12000 سنة ومعظمهم اليوم يعيشون تحت الأرض. وهم سكان العالم السفلي ويعيشون على امتداد هضبة “التبت” وكهوف “الهيمالايا” وفي بعض مناطق “لداخ” مثل بحيرة “بانجونغ” إلى دول آسيا الوسطى وفي سيبيريا.

استخدم المؤلف لإثبات وجود هذه الأقوام التي تعيش تحت الأرض شخصيات حية وأضفى عليها مسحة خيالية، أمثال البابا “فيرما”  و”رجل الجنوب” وشخصية “المبجل” و”حارس المقبرة” وحادثة “اختفاء الفتيات” والصبي “سمندر” الدليل الصغير بمنطقة “ليه” والشيخ قديروف.

وأما الأماكن التي اختارها لإثبات وجود هؤلاء الأقوام فهي الكهوف في الهيمالايا ومقبرة عند بحيرة “بانجونغ” الواقعة بـ”ليه” في لداخ[4] بولاية جامو وكشمير وهضبة التبت وقصر “بوتالا” وفي بعض الدول في وسط آسيا على حدود طاجكستان وقيرغيزيستان وعند حفرة كولا في “سيبريا”.

كانت رحلة الكاتب في الحقيقة للبحث عن مكان السد أو الردم الذي هو حاجز لقوم “يأجوج” و”مأجوج” وكذلك للبحث عن آثار الأقوام التي تعيش تحت الأرض في كهوف الهيمالايا وتحت هضبة “التبت” وربط بعضها ببعض.

وقد صوّر لنا المؤلف مفاجآت وأمورًا غيبيةً وظواهر عجيبةً جعلت الرحلة مشوقةً جدًا، ومن خلال تصوير تلك الظواهر غير العادية قدّم المؤلف نصائح غاليةً جدًا على لسان “المبجل”. لو استطعنا تطبيق تلك النصائح لطالت مدة الحياة البشرية وامتد كذلك بقاء الكرة الأرضية وساد الأمن والأمان والرخاء والرفاهية في العالم كله. ولكن المؤلف في ثنايا هذه الرحلة اعترف مرارا بأن ليس في مقدور الإنسان أن يطلع على الحقيقة المطلقة في الكون ولا يستطيع أن يعرف جواهر الأشياء وحقائقها، فيقول “على كل حال فإن إدراك ما حولنا لا يعني الوصول إلى فهم الحقيقة، فالحقائق الكبيرة في هذا الكون صعبة وبعيدة المنال ولا يمكن الوصول إليها كما يبحث عنها هؤلاء[5].

رسالة التفاؤل والإيجابية:

إن المؤلف له نظرة إيجابية في الحياة وليس في قاموسه اليأس والإحباط والقنوط والعبوس والتجهم، ولذلك اختار أفكارًا ومعتقدات وأساطير وقصصًا وأصدقاء وأماكن للسياحة كلها تنبض بالحيوية والإيجابية والتفاؤل والابتسام والسعادة الروحية. ولا تقع عيناه إلا على ما هو إيجابي وما هو مشرق وينبض بالحياة والعطاء والتفاؤل.

يقول المؤلف: “يجب ألا ندع ضجيج الآخرين يحجب ثقتنا وعزمنا ويعرقل تفكيرنا عن الانطلاق نحو حدس العقل والفكر للحصول على المعرفة. فمحبطوا الهمم كثر وما علينا سوى اتباع اتجاهنا دون الالتفات للخلف فصغار العقول دائمًا هم سيحاولون تسطيح الطموح وقتله”[6].

نرى المؤلف كيف يشيد بالذين يحتفلون بالحياة ويتمتعون ويمرحون وينشطون وكيف أن أناسا يمتلكون مفاتيح التفاؤل والإيمان. يصف لنا السيدة سوزي ونجاحها في التسلق أو التزحلق وقد تجاوزت أكثر من ستين ربيعا من عمرها: “يا لهؤلاء القوم الذين يحبون الحياة ويعيشون اليوم ويتمنون الغد، ويتحركون ويمرحون كالشباب، أدركت أن هذه النوعية من البشر لا تتذمر كثيرا لتقدمها في العمر، هم لا يهتمون كثيرًا بظروف الحياة القاسية، أو حتى إحالتهم للتقاعد، أو مرضهم والتحسر على ما فات، هؤلاء يمتلكون مفاتيح التفاؤل والإيمان… هؤلاء يصرون على أن تكون شبابيكهم مفتوحة على الحياة، كما يصرون على فتح قلوبهم للتعايش مع كل ما هو جميل وينتظرون حتما الأجمل، هؤلاء لا تنتهي صلاحيتهم هكذا، وإن انتهت، فهم يموتون مبتسمين”[7].

الإشادة بتعاليم “بوذا”:

يكتب المؤ لف عن ملخص البوذية في السطور التالية: “ملخص “البوذية” التي دعا إليها “بوذا” هي الدعوة إلى المحبة والتسامح والتعامل الطيب، والتصدق على الفقراء والمساكين وترك الملذات وعدم الإسراف وضرورة التقشف والابتعاد عن الملذات، وتحريم الخيانة والقتل والكف عن المسكرات”[8]، مضيفًا “كان هدفه توعية الناس بالمحبة وفعل الخير والعدالة ونقل الناس من وعيهم العادي إلى وعي جديد مليء بالأحاسيس البشرية والروحية إلا أنه وكما ترى فإن صورته المبتسمة حتى الآن هي الغالبة على كل التماثيل المعروضة في أسواقنا”[9]. ولا ينتهي إعجابه بتعاليم “بوذا” المستنير حيث يكتب:

“بوذا” المبتسم يحمل أفكارًا حكيمةً يحفظها البوذيون من أتباعه داخل قلوبهم. وبقدر ما أود معرفة سر ابتسامة “بوذا” رغبت في معرفة رسالته السامية التي آمن بها أكثر من خمسين مئة مليون إنسان … يبدو أن هناك سرا للابتسامة حتى تؤمن به هذه الملايين”[10].

ذكر المؤلف في مواضع عدة محاسن الفلسفة البوذية وتأثير هذه الفلسفة على أتباعها. فإن تصوير سكان مدينة “منالي” وعاداتهم وفلسفتهم في المأكل والمشرب من أدق التصاوير  في كتاب “الاتجاه شرقا”.

أفضل نموذج للتعايش السلمي في “لاهسا”:

كما قلت إن الفكرة الرئيسة في كتاب “الاتجاه شرقا” هي التسامح والتعايش السلمي وقد ظهرت الفكرة في طول الكتاب وعرضه مباشرة وغير مباشرة. ههنا يوجد نموذج حي للتعايش السلمي بين البوذيين والمسلمين في التبت. يكتب المؤلف عمّا شاهد من التآلف والتعاطف والتآزر بين البوذيين والمسلمين في “التبت”، “يبدو أن التعايش بين الطائفتين الرئيسيتين، مع الطوائف الأخرى في (التبت)، يجسد معنى حقيقيا للتعايش السلمي، والانسجام والتسامح، والتضامن في أبهى معانيه، وتكاد لا تفرق بينهم، إلا من خلال ما يرتديه المسلمون من زي إسلامي، متمثلا بطاقيات الرجال والشباب وخمر النساء والفتيات.. يا لهذه الحالة الاستثنائية الإنسانية والفريدة في أعلى مناطق العالم”[11].

كيفية التعامل مع الأصدقاء:

إن للمؤلف فكرة رائعة في التعامل مع الأصدقاء وهي التركيز على الاتفاق على العناوين الرئيسية لا الخوض في التفاصيل. وللمؤلف أصدقاء يمدحهم في ثنايا كتابه الرائع مثل السيد “باندي” الإنسان المتدين الرائع المتأمل في الطبيعة وجمالها وسحرها المتفرس في وجوه الناس والمطلع على ما لديهم من خبرة وتجربة أو معرفة، وكذلك يمدح صديقه “أنيل” الإنسان الهش والبشوش المؤمن بالله على طريقته الخاصة إيمانًا صادقًا وشاملاً وقويًا. مع اختلاف الديانات واللغات والثقافات والعادات قضى المؤلف معهما أوقات السعادة والفرح والانبساط.

يجيد المؤلف تصنيف الناس إلى فئات عديدة منها فئة تجيد اختيار الكلام الجميل والأسلوب الممتع والجلوس معهم لا يخلو من الفائدة. يكون الأجنبي على اتصال فكري مع أجنبي آخر باختيار الكلام الجميل والأسلوب الرائع والموضوعات المناسبة التي تربط بين غريبين.

فيكتب المؤلف عن فلسفة التعامل مع الأصدقاء: “أنا مع صديقين مختلفي الأفكار في التفاصيل، لكنهما متفقان تماما على العناوين، هكذا تسير الحياة، وتمضي ولا تتوقف عند التفاصيل.. التفاصيل لا تهم كثيرا، فقد تتبخردون أن يتذكرها سوى القليل من عشاق التفاصيل الصغيرة، مع أن الحياة تحمل عناوين كبيرة لا بد من العيش في سطورها وأحداثها، حيث يكمن الحاضر ويختبئ المستقبل… كل شيء له حكمة، في العناوين أو في التفاصيل، لكل منهما جماله أو نقيضه، وستبقى الحياة سريعة الخطى، لا تلتفت للخلف… فلماذا نقف طويلا عند التفاصيل والعناوين الكبيرة واضحة”[12].

اعتزاز المؤلف بالقرآن الكريم:

الإشادة بتعاليم “بوذة” السمحة وذكر الأديان والمذاهب والمعتقدات بالإيجابية لا يعني التحلل من ربقة الإسلام أو المرونة بين عقيدة الإسلام وعقيدة أخرى. يعتز المؤلف بالقرآن الكريم كثيرًا وبالعقيدة التي يحتوي عليها كتاب الله، “أنا محصّن بكتاب مقدس، أينما توجهت لخوض هذه التجربة أو أي تجارب قادمة …إنه كتاب ليس من صنع البشر، سأهديه لكما في نهاية رحلتنا”[13].

تأثر المؤلف بالأماكن التي زارها:

لقد أعجب صاحب الكتاب بالمناطق والمدن المجاورة لـ”لهيمالايا و”لداخ” و”ليه” و”تبت” و”لاهسا” الخلابة ومناظرها الطبيعية بحيث قام بتصوير الجبال والهضاب والأودية والأنهار والمروج الخضراء وقطيع الغنم والبقر ورعاتها المغنين أعذب الأغاني وطلوع الشمس وإرسال خيوط النور من خلال السحاب الأبيض والليلة المقمرة والنجوم الزاهرة كأنها لوحات فنية بريشة مبدع كبير.

لا يفوت الكاتب ذكر ملامح وجوه الناس وهي البشرة والتلألؤ والانبساط والفرح فوصف حياة الناس في تانغلانغ هكذا: “الحياة في هذه الأنحاء من المعمورة، بسيطة ولا تحتاج إلى فلاسفة لتعقيدها. فجمالها طبيعي مستمد من محيطها الرباني، حتى وإن رآها غيري من منظور مختلف، إلا أنني على يقين بأنها تمثل الجمال كله، ولا جدال في ذلك. الناس هنا راضون بالقليل، مع ابتسامات دائمة، فهي لا تكلفهم مالا ولا جهدا كبيرا. الناس هنا مستمتعون بحياتهم رغم قسوتها وشقائها، لكنها قسوة خارجية ترفضها نفوسهم وقلوبهم اللطيفة. هؤلاء يعيشون البساطة في كل شيء مما يترك أثرا جميلا في القلوب …أسلوبهم هو فلسفة بحد ذاتها، تجبر من يعايشهم على احترام أرواحهم الطيبة، وتضاعف من تقديرهم. الحزن هنا لا يدوم طويلا، فهم يبتسمون للحياة ويرقصون لها”[14].

وأما تصويره لمدينة “منالي” من نافذة الفندق في ليلة مقمرة فكل من يقرأ ذاك الوصف فلا بد له أن يتمنى لزيارة تلك المدينة الرائعة. فلنمتع عقولنا بتصوير ذاك المنظر البانورامي الذي رسمه قلم المؤلف. “لم أستطع النوم هذه الليلة وأنا أنظر من على سريري لذلك الجمال الأخاذ في الخارج. بعد منتصف الليل راقبت تغييرا يجري بتلون الطبيعة.. بلورية حينا وحينا لازوردية جميلة، يرافقها انعكاس كريستالي ببريق يبهر البصر على ثلوج الجبال، ولا أروع من هذا المنظر الذي لم أر في حياتي ما يوازيه روعة. أنا في ذهول تام واستمتاع بهذا المنظر البانورامي الذي أنساني كل تعب مررت به خلال الأيام الماضية. كل شيء يتراقص في الخارج.. وأتساءل كيف تنعكس تلك الألوان اللامعة واللازوردية على ثلوج القمم فترتد في كل الاتجاهات؟

…أنا اليوم في أحسن حالاتي النفسية، رغم السهر الجميل.. والعشاق يعرفون الابتسام، وكذلك الأطفال.. لقد ولد الطفل معي ليلة البارحة”[15].

خلاصة البحث:

يمكن تقديم خلاصة البحث في النقاط التالية:

  • إن كتاب “الاتجاه شرقا” كتاب في الرحلة الاستكشافية وهي رحلة فريدة من بين كتب الرحلات. فيه أخبار تفيد بأماكن تاريخية حقيقية ومعلومات جغرافية ومعلومات عن الفلسفات والديانات والأساطير والخرافات والملحمات وصور الناس وعاداتهم وطرق تفكيرهم ومأكلهم وملبسهم وتجارتهم وتعاملهم مع الأجانب.
  • الفكرة الرئيسة في هذا الكتاب هي الدعوة إلى التعايش السلمي والتسامح بين أتباع الديانات المختلفة والثقافات واللغات.
  • الكتاب يبعث في النفس قوة الإرادة والتغلب على الصعوبات.
  • في هذه الرحلة الشيقة تحدث المؤلف عن انطباعاته وعبر عن آرائه حول المتعبدين البوذيين و”السادوس” الهندوس وعلاقتهم بالأمور الغيبية.
  • في الكتاب رسالة التفاؤل والإيجابية في الحياة والاحتفال بالإنجازات والنجاحات ونبذ السلبية في التفكير والمعاملة.
  • في هذا الكتاب إشادة بتعاليم “بوذا” المستنير وتأثير الفلسفة البوذية على أتباعها من القناعة والرضا والسعادة الروحية والابتسامة التي لا تفارق وجوههم.
  • الكتاب يحمل رسالة “الوحدة في التنوع” والتى تحتاج إليها الهند ودولة الإمارات العربية المتحدة على حد سواء لتنوع أتباع الديانات والثقافات واللغات والتعددية الاجتماعية فيهما.

هذا الكتاب يمثل فكرة الوحدة في التنوع لأسباب عديدة.

[1] العامري، عبد الله ناصر سلطان، الاتجاه شرقا،( الشارقة: أوستن ماكولي للنشر، 2019م)، ص: 76.

[2] المصدر نفسه.

[3] المصدر نفسه، ص: 174.

[4] تحولت منطقة لداخ إلى إقليم تابع للحكومة المركزية  في الـ31 أكتوبر عام 2019م.

[5] المصدر نفسه، ص:271.

[6]  المصدر نفسه، ص: 29.

[7] المصدر نفسه، ص: 141.

[8] المصدر نفسه، ص: 181.

[9] المصدر نفسه، ص: 195.

[10] المصدر نفسه،ص: 194.

[11] المصدر نفسه، ص: 299.

[12] المصدر نفسه، ص:187.

[13] المصدر نفسه، ص: 179.

[14] المصدر نفسه، ص: 177-178.

[15] المصدر نفسه، ص:80-81.

المصادر والمراجع:

  • العامري، عبد الله ناصر سلطان، الاتجاه شرقا، الشارقة: أوستن ماكولي للنشر، 2019م.

* أستاذ مساعد ورئيس قسم اللغة العربية، الجامعة العالية، كولكاتا، الهند.