وضع المرأة الهندية في رحلة نوال السعداوي

نوال السعداوي

لتحميل المقال انقر هنا

د. زرنكار*

ملخص البحث:

يتناول هذا المقال وضع المرأة الهندية وصورتها من خلال دراسة النصوص المتعلقة بالمرأة الهندية في كتاب “رحلاتي في العالم” للدكتورة نوال السعداوي التي تعرف بصفتها كاتبة ناقدة ومدافعة عن حقوق المرأة. يهدف المقال إلى إبراز صورة المرأة الهندية ومكانتها في مجالات شتى في أواخر القرن العشرين عندما زارت السعداوي الهند ولقيت بعض النساء من طبقات مختلفة فسجلت ما رأته من وضعهن، في هذا الكتاب. كما يتطرق إلى فكرة السعداوي التي كتبتها بين مشاهداتها وخواطرها عن المرأة في المجتمع الهندي.

كلمات مفتاحية: الأنثوية، الرحلة، الصورة، المرأة الهندية، نوال السعداوي.

مقدمة:

يعدّ أدب الرحلة مصدرًا مهمًا للاطلاع على منطقة وما فيها بفضل توافد عدد كبير من الرحالة عليها عبر القرون. فالهند لها حظ كبير في هذا المجال إذ يزورها عدد كبير من الرحالة من أنحاء العالم كل سنة. قد سجل كثير منهم مشاهداتهم وانطباعاتهم في شكل كتب الرحلة التي تشتمل على أوضاع البلاد الجغرافية والسياسية والاقتصادية والعادات والتقاليد للشعب الهندي وصوّروا حضارة الهند وثقافتها بمختلف النواحي وجمعوا في كتبهم معلومات قيمة لم تكن متوفرة من قبل. ويظهر للمرأة دور في الرحلات من حيث هي صاحبة دور في المجتمع من داخل جدران البيت إلى خارجها. “إذا كانت صورة المرأة قد غابت عن كتب الرحلة في الأدب القديم فإنها لم تعد كذلك فيما يكتبه المحدثون، فقد اهتمت كتب الرحلة بوجود المرأة اهتمامًا ملحوظًا”[1].

تعد الدكتورة نوال السعداوي[2] التي جاءت إلى الهند سنة 1975م[3]، إحدى زعيمات الحركة النسوية بمصر، وتعتبر من الشخصيات المثيرة للجدل بسبب أفكارها ونضالها ضد الاستغلال وكفاحها للمساواة. فرحلة السعداوي المسماة بـ”رحلاتي في العالم” تشتمل على عدة أسفارها حول العالم، والجزء منها يخص بذكر الهند وثقافتها وتجاربها فيها. عندما نقرأ رحلة السعداوي نجدها مناضلة من أجل حقوق الإنسان ومدافعة عنها عامةً، وتتحدث خاصة عن قضايا المرأة الهندية المختلفة وتعتني بوصفها اعتناءً كبيرًا.

رحلتها إلى الهند:

جاءت الدكتورة السعداوي إلى الهند في أواخر القرن العشرين ومكثت فيها عدة شهور كضيفة في شقة صغيرة لزوجها الذي كان يعمل في الهند منذ عامين ويسكن في حي ديفنس كالوني في دلهي الجديدة[4]. تجولت خلال هذه الفترة بين ولايات الهند المختلفة وزارت المعابد والمزارع والمصانع العديدة وغيرها.

فاستهلت رحلتها بالحب لهذه البلاد وصعوبة اكتشاف الروح الهندية التي تشبه إلى حد كبير صعوبة اكتشاف النفس[5]، قضت السعداوي في الهند بضعة شهور لكنها لم تقصد أثناء هذه الفترة إلى المتاحف الشهيرة والآثار الفاخرة فحسب بل انتهزت هذه الفرصة لمعرفة ما في الهند من الثقافات المتعددة وما بينها من التفاوت والتباين من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وقامت بدراسة عميقة للأديان المختلفة وزارت عدة معابد لفهم معتقدات شتى، وطالعت الأدب الهندي المتنوع لتعرف مجسّة المجتمع الهندي، ولقيت الأدباء والأديبات وناقشت معهم موضوعات متعددة. وحاولت أن تعرف حقيقة كل شيء استغربت من تناقضه وتنوعه وقارنت بين الهند وبين وطنها الأصلي  حتى قدمت صورةً للهند عامةً وللمرأة خاصةً بقدر من التفصيل.

صورة المرأة الهندية في رحلة السعداوي:

المرأة وحريتها وقضاياها هي فكرة أساسية للسعداوي، تدور حولها أكثر كتاباتها فلم تغفل عنها أثناء الرحلة وكتبت كل ما شاهدت فيها. فذكرت من هيئتها وتقاليدها إلى ذكر سيادة الرجل على المرأة داخل البيت وخارجه عند بعض الناس. قد تردد ذكر المرأة في رحلة الدكتورة، فنجدها تذكر لباس المرأة وهيئتها ومظهرها الخارجي وتقاليدها اليومية، تقول عن النقطة الحمراء (بندي أو تلك) التي تعد جزءًا خاصًا من المعتقدات الهندوسية: “على أن مطار دلهي له شخصية مميزة. لا أدري لماذا. ربما بسبب النساء الهنديات ذوات الساري[6] والنقطة الحمراء في منتصف الجبهة وأيضا أبواب المطار الزجاجية عليها نقطة حمراء في منتصف كل باب. لم أكن أعرف سر تلك النقطة الحمراء لكني عرفت من بعد أنها بقايا عادة هندية دينية ثم أصبحت من الزينة للنساء أو الرجال في بعض مناطق الهند”[7].

وتكتب عن النساء الفلاحات من المنطقة الجنوبية للهند اللاتي يعملن في حقول الشاي من الصباح إلى المساء فقالت عنهن: “لاحظت أن بعض النساء يرتدين “ساري” كاملا وبعضهن يرتدين نصف ساري فقط. وعرفت أن المرأة المتزوجة هي التي ترتدي الساري الكامل. وهن يتزوجن في سن مبكرة جدا ويعملن طول النهار وحين يعدن إلى البيت آخر اليوم يطبخن الطعام وينظفن البيت ويغسلن”[8].

تحاول السعداوي الاطلاع على الأسباب المنطقية وراء ارتداء المرأة الهندية الساري فتدوِّن ملاحظاتها العديدة في هذا الصدد عندما تجولت في شوارع المدن الكبيرة كـ”دلهي وبومباي وكولكاتا التي تشبه بعضها البعض “والمرأة كالرجل تركب الدراجة أو الموتورسيكل رغم الساري الطويل…. تناقض غريب لا زال يحيط بالمرأة الهندية العاملة لقد كسرت الحواجز وأقدمت على كل شيء سوى أن تخلع “الساري” الذي أجمعت نساء الهند على أنه زي غير عملي يعرقل خطواتها”[9].

ثم تبين السعداوي آراء مختلفة لبعض النساء والرجال حول الساري فقالت بعض النساء إن الساري فيه “أنوثة” بينما قالت بعضهن إن الساري يميِّز المرأة الهندية عن غيرها من النساء في العالم، لكن تفضِّل بعض النساء الملابس التي تريحهن وتساعدهن على الحركة بسهولة، كما يفضل بعض الرجال أن ترتدي المرأة الساري[10]، فإن السعداوي وجدت “الساري” أمرا مليئًا بالتناقضات.

وعلى منوال السعداوي، تكتب الأديبة أمينة سعيد في رحلتها “مشاهدات في الهند” “فالصاري على جماله ثوب غير عملي لا يناسب امرأة تقتحم الحياة العامة وتشترك فيها”[11]. نجد كثيرا من الرحالة العرب المعاصرين يذكرون هذا الزيّ الخاص بالهنديات، ولم يلفت هذا الزيّ الهندي أنظارهم فحسب بل جذب أفكارهم أيضًا. نأتي بمثال من  كتاب “رحلة إلى الهند” للمؤرخ العراقي الدكتور أحمد زكي صالح الذي زار الهند للمشاركة في مؤتمر  سنة 1950م، “إن نساء هذه الطبقة مهما بلغت بهن الأناقة لا يرتدين الألبسة الغربية بل يرتدين اللباس الوطني المعروف عندهن بكلمة صاري وهي قطعة كبيرة من الحرير الفاخر أو من غير ذلك يتلفعن به بأساليب تتفاوت في الأناقة والإغراء”[12]. فهذا اللباس كان معروفًا ولا يزال مألوفًا عند الهنديات.

المرأة الهندية بصورها المختلفة في المجتمع:

لقيت الدكتورة النساء الهنديات المنتميات إلى مختلف الطبقات ثم صورت شجاعتهن وامتيازهن وتعاستهن ومعاناتهن بقدر من التفصيل. ورأت الدكتورة- عندما تجولت في جنوب الهند- كثيرًا من النساء يعملن في مزارع الشاي فالتقت بهن وحاولت أن تتعرف على أوضاعهن بأنفسهن، ولذلك اختارت واحدة منهن اسمها ساروجا[13] وسألت إياها عن وضع المرأة الهندية. ثم لقيت مدير المزرعة ومدير المصنع لتتعرف على حقيقة الأمر عن النساء مع معرفة عملية زراعة الشاي وصناعتها. ثم صورت كل ما شاهدت بالتفصيل، وكتبت عن النساء اللاتي يعملن في تلك المزارع: “ان زراعة الشاي وجمعه وصناعته في الهند عمل نسائي في معظمه…. قبل أن تبلغ البنت العاشرة تذهب مع أمها إلى الحقل لتعمل في مزارع الشاي أو إلى المصنع لتشارك في صناعة الشاي. في بعض القرى يعمل الأولاد والرجال أيضا، ولكن هناك مناطق لا يعمل فيها إلا النساء والبنات أما الرجال فهم الجنس الأسمى العاطل الذي يتزين ويرقص في الحفلات الدينية ويجلس طول النهار أمام البيوت يدخن ويشرب ويلعب الطاولة أو النرد”[14].

ونجد مثل هذه الصورة للمرأة في رحلة الدكتور ناصر العبودي عندما زار جنوب الهند عام 1977م بعد زيارة السعداوي بسنتين، فشاهد أن المرأة تمارس أعمالاً شاقةً “لاحظت أن أكثر الذين يعملون في تجميل الشارع من النساء، وليس معنى ذلك أنهن يغرسن الزهور وإنما العمل يجري في توسعة الشارع وحفر أساس في جانبه للرصيف والنساء يعملن فيه كالرجال. وهذا ليس بغريب في الهند فقد رأيت النساء يعملن في أعمال البناء وشق الطرق”[15].

التقت السعداوي في جنوب الهند وشمالها بأديبات بعد أن تعرفت على كُتُبهن، فإنها أعجبت بهن وبالحرية التي يتمتعن بها حين يمسكن القلم ويكتبن عن قضايا مختلفة بلا خوف. ذكرت الدكتورة أربعا منهن وكتبت أن الوصف المشترك بينهن هو أنهن يتناولن أي موضوع حساس يتعلق بالمرأة أو الحب أو المجتمع أو السياسة أو الدين ويعبّرن عن أفكارهن ويبدين آراءهن بصدق وبدون خوف ولا حرج. 

فأولاهن ساهجال[16] (Nayantara Sahgal) لقيتْها السعداوي وكتبت عنها أن الأديبة كانت تنقد الحكومة وسياسة إندرا غاندي رغم أنها كانت لها علاقة ونشأت في أسرتها بكونها ابنة شقيقة نهرو(Daughter of Vijay Lakshmi Pundit)، وهي كانت كاتبة الروايات والقصص التي تكشف فيها عن حياة المرأة الهندية وتنقد كثيرًا من التقاليد المتناقضة التي تحيط بالمرأة الهندية.

والثانية من الكاتبات الهنديات هي كاملاداس[17](Kamala Das)  وهي كانت من ولاية كيرالا،إنها من أصل “الناير” الذي كان مجتمعا متعدد الأزواج في كيرالا، تناولت السعداوي حياتها ووصفتها بالتفصيل، وأعجبت بشجاعتها كثيرًا “تمسك القلم كأنه مشرط في يد جراح تشق اللحم وتكشف النخاع. تكتب عن حياتها بالشجاعة نفسها التي تكتب بها عن حياة الآخرين آخر كتاباتها هي مذكرات حياتها، تقول عن نفسها إنها لا تملك إلا الصدق”[18].

وقد ذكرت أمرًا يدل على شجاعتها وهو أن هيئة طلبت منها أن تقوم بإجراء بحث في القيم الأخلاقية بين الأزواج في مدينة مومباي فقامت بإجرائه ونشرت نتائجه وكشفت النقاب عن حقيقة الحياة التي يخفيها الناس عن الآخرين بل عن أنفسهم أيضًا، حيث إنها وجدت 96% من الأزواج يخونون زوجاتهم سرًا خلال ساعات العمل وفي حجرات الفنادق وفي رحلاتهم إلى بلاد أخرى[19].

أما الأديبة الثالثة التي ذكرتْها السعداوي في رحلتها فهي الروائية والشاعرة الشهيرة “أمريتا بريتام”[20] (Amrita Pritam) التي كتبت باللغتين الهندية والبنجابية ونقدت الحكومة والدين والجنس بشعرها ونثرها، ومن أبرز أعمالها “بنجر” (الهيكل). وهي أهدت إلى الدكتورة السعداوي روايتَها الأربعين بعنوان “ذلك الرجل”، نقدت فيها العقائد الدينية السائدة في المجتمع الهندي، وذكرت فيها خاصة كيد الكهنة الذين يدعون بصلتهم بالآلهة ليعالجوا النساء العواقر. وهذه الرواية ذكّرت السعداوي بالقصة المماثلة التي وقعت في قريتها قبل ثلاثين عامًا، فأشادت برواية أمريتا بالقول: “هذا هو الأدب الجيد إنه الأدب الذي يجعلنا نتذكر حوادث مضت عليها السنون والسنون نتذكرها لأول مرة ونفهمها لأول مرة. وهذا هو الفن الذي يضيء أركانًا مظلمةً في عقولنا”[21].

وقد أتت أخيرًا بذكر الشاعرة أكيلا[22] من ولاية البنجاب التي أوضحت لها مشكلة تعدد اللغات في الهند وهي مشكلة يواجهها جيل من الشعراء والأدباء في الهند، يولد بها طفل منهم بلغة ويتكلم بها، لكنه يتعلم ويكبر بأخرى، يحلم ويبكي بلغته الأم لكنه في معظم الأحوال ينتج أدبه بلغته الثانية أو الثالثة فلا يملك زمام لغة واحدة ولا يسيطر عليها سيطرة كاملة. وأهدت الشاعرة أكيلا إلى الدكتورة السعداوي ديوانها الذي تعبر فيه عن مأساة قرية في البنجاب أدى فيضان النهر إلى تدمير بيوتها وحقولها، وتسخر بشعرها من بعض المقدسات في بلدها بالقول: “كان النهر المقدس لا يغسل آثام الناس ولكنه كان يغسل عرق الفلاحين وطمث النساء وبراز الأطفال المرضى بالإسهال صيفًا وشتاءً”، مضيفةً “تبدو هذه الكلمات فجة غير أدبية شاعرية، ولكن الفنان الحقيقي يستطيع أن يحول قطع الصخر إلى أحجار كريمة وجواهر”[23].

وبعد أن ذكرت السعداوي هذه الاجتماعات مع المثقفات الهنديات عن المظاهر الخارجية النسائية والتقاليد الغريبة في الهند، بقي لها شيء مهم عن مكانة المرأة ووضعها من نفس هذه الرحلة، وهي أن السعداوي شعرت بأن تقابل “المرأة التي لقبها الغرب بأقوى امرأة في العالم”[24].

فصوّرت السعداوي رئيسة الوزراء للهند إندرا غاندي تصويرًا بارعًا وكتبت كل ما قرأت عن حياتها وكفاحها قبل وفاة أبيها وبعدها. ثم سجلت ما دار بينها وبين إندرا غاندي من حديث بقدر من التفصيل، وأهم النقاط كما يلي:

  • الصداقة القديمة بين العرب والهند والحاجة إلى تقويتها وتجديدها.
  • محبة السلام والهدف وراءها صداقة، وإزالة سوء التفاهم والقضاء على الكراهية على جميع المستويات.
  • مشاركة المرأة الهندية في جميع المجالات، فالنساء في الهند وزيرات وقاضيات وعضوات البرلمان وممثلات ومنتخبات في المجالس القروية ومتعلمات وعاملات في كل المجال.
  • في الهند تاريخ فلسفي قديم للمساواة بين الرجال والنساء، وأثبتت النساء أنهن قادرات على العمل والتضحية.
  • المرأة الهندية في الحياة الحقيقية أكثر احتراما وأكثر إيجابية وكفاحا وتقدما لكن الأفلام الهندية تقدمها متخلفة والحكومة لا تتدخل في شؤون السينما إذ هي حرة في الهند.
  • جميع القوانين متساوية للمرأة والرجل ولكن على التنظيمات النسائية والنساء أنفسهن تطبيقُ هذا الأمر في الحياة والفن.
  • للهند ومصر تاريخ عميق وثقافة متقاربة ولكنهما لا يعرفان آدابهما إلا القليل بسبب مشكلة الترجمة، فهناك حاجة ملحة إلى بذل جهود كثيرة في مجال الترجمة.
  • ستزيد صلة الهند بالعرب وبمصر على الدوام في المستقبل[25].

تحدثت رئيسة وزراء الهند آنذاك إندرا غاندي إلى السعداوي عن النقاط المذكورة المهمة وأكدت أن المرأة في الهند تحظى باحترام كبير ولديها مجال واسع في نواحي الحياة كلها، ولها عدة أسباب، الأول: إن هذا بناء على نظرتها الشاملة، وهي أن إندرا غاندي قد واجهت في حياتها عدة صراعات استطاعت التغلب عليها، فكانت ترى المشاكل والشدائد متساوية بين الرجال والنساء. والثاني: كل ما عبرت عنه إندرا غاندي عن المرأة هو يتعلق بالنساء اللاتي تعلمن من الجامعات والمعاهد داخل البلاد أو خارجها، وأثّرت فيهن وفي أسرهن ثقافة الطبقات العليا المتوسطة.

ومهما كانت الدوافع والتبريرات لدفاع إندرا غاندي عن حقوق المرأة الهندية ومشاركتها في جميع المجالات وتمتعها بقدر كبير من المساواة والحرية والقوة، خرجت الدكتورة السعداوي من مكتبها متفائلة، وكتبت في رحلتها بعد هذا الاجتماع كبيان رسمي أدلت به رئيسة الوزراء لكن المتعمق قليلاً في حياة المرأة الهندية يدرك أن النساء الهنديات بصفة عامة يتمتعن بقدر أكبر من الاحترام والمساواة من النساء في بلاد أخرى كثيرة”[26]. ووافقتها على هذا الرأي أمينة سعيد عندما تثني على المثقفات الهنديات بأنها تعجب بهن حكمة وذكاء ووسعة في الاطلاع[27].

تقاليد أخرى عن المرأة الهندية:   

وجدت الدكتورة السعداوي خلال تجولها في الولايات الشاسعة من الهند عدة تقاليد غريبة ومتناقضة فكتبت عنها بقدر من التفصيل، ومنها:

  • المرأة تدفع المهر لزوجها: لاحظت الدكتورة أن المرأة في الهند تدفع المهر لعريسها وفق طبقته ومنصبه وتعليمه، وهو بسبب عقلية الرجل الهندي التي تنظر إلى المرأة كمخلوق أقل منه شأنًا، أو هو بقايا النظام الذي كانت السيادة فيه للمرأة فكانت ترأس وتملك وترث ويُنسَب إليها الأطفال فتدفع المهر كرئيسة، ذلك النظام قد تلاشى وفقدت المرأة سيادتها لكن نظام دفع المهر لم يتغير[28].
  • المرأة لا تجلس في حضور الرجل: كتبت الدكتورة عن بعض مناطق الهند أن المرأة لا تجلس في حضور زوجها وأبيها وإنما تظل واقفة هي وبناتها. والمرأة في جميع رحلات أنيس منصور شخصية محورية وعنصر مهم، حيث اعترف بأن المرأة في قارة آسيا أحسن في مركزها وأنها وزيرة ونائبة ومستشارة وقاضية ووكيلة البرلمان، لكنه قد أشار إلى هذا التقليد الغريب السائد في الهند “فالنساء لا يأكلن مع الرجال”[29].
  • المرأة لا تدخل بعض المعابد: في بعض مناطق الهند يحرم على المرأة دخول بعض المعابد حيث لا يدخلها إلا الذكور[30].
  • المرأة الأرملة مكروهة: في القرون الماضية كانت العادة السيئة التي فشت بين الهنود باسم”الساتي”، وهي أن المرأة كانت تحرق نفسها مع زوجها إذا توفي، أو كانت أسرتها تلقيها في النار مع جثة زوجها. وقد تلاشت هذه العادة تقريبًا، لكن تعتبر المرأة الأرملة مكروهة وسببًا للكوارث، وتعامَل أحيانًا كالساحرة الشريرة[31].
  • المرأة امرأة: يعتقد كثير من الرجال الهنود بأن المرأة لقد خُلقت للشؤون المنزلية، وقدرتها الذهنية لا تؤهلها للعمل وتولي زمام الحكومة لأن المرأة امرأة يعني أنها أقل من الرجل عقلاً وفهمًا. ويعتنق كثير من الرجال الهنود مثل هذه الأفكار رغم أن امرأة (إندرا غاندي) كانت تحكم الهند ­آنذاك[32].
  • المرأة تتزوج أكثر من رجل: في بعض مناطق جنوب الهند، أحيانًا تتزوج امرأة أكثر من رجل، لأن نسب الأطفال إلى الأب هنا لا يهم كثيرًا[33].
  • المرأة لها السيادة: في بعض المناطق بجنوب الهند “لا يزال ينسب الأطفال إلى أمهاتهم وترث البنات الأرض من الأم وترتفع مكانة النساء في هذا المجتمع الأموي ارتفاعًا كبيرًا في مختلف نواحي الحياة والعلوم والفنون”[34].

هذه بعض العادات والتقاليد الغريبة التي أشارت إليها الكاتبة السعداوي. والأمر الواقع هو أن مثل هذه التقاليد لم تعم جميع أنحاء الهند، ربما هي قبلية وشاذة يمارسها عدد قليل جدًا. يبدو أن السعداوي قد أخطأت في نقل هذه الأمور الشاذة، وحاولت انتقاد المجتمع الهندي انتقادًا شديدًا، وهذا يدل على فكرتها النسوية.

خاتمة البحث:

نجد السعداوي بالغة العناية بوصف المرأة وذكر وضعها، ومعجبة بشخصية المرأة الهندية وأدبها وشجاعتها وحسن تدبيرها. كما نجدها حزينة من حالة النساء من الطبقة المتوسطة أو السفلى بسبب إصر أعمالهن وأزماتهن في حياتهن اليومية. لذلك تنتقد السعداوي في أغلب الأحيان التقاليد الغريبة المتناقضة.

أوضحت دراسة هذه الرحلة أن السعداوي قد حاولت تسليط الضوء على التباين الذي يوجد في بعض الطبقات من المجتمع الهندي، لكنها في بعض الأحيان لم تستطع أن تحكم على الأمور بطريقة صحيحة بل إنها أخطأت في تصوير وضع المرأة الهندية فانتقدت المجتمع الهندي بشأن المرأة انتقادًا حادًا.

ويمكن القول إن أوضاع المرأة في المجتمع الهندي بأبعادها المختلفة متفاوتة ما بين الطبقات التي شاهدتها الدكتورة السعداوي، وذلك وفق طبيعة التكوين الاجتماعي الثقافي لمجتمع ما. نجد في بعض الطبقات الهندية القليلة المرأة تمارِس تقاليد غريبة وهي تبدو مظلومة، وفي غيرها من الطبقات تتمتع المرأة الهندية بأرفع منزلة وأعظم شأن ولها مشاركة بارزة في الشؤون السياسية والاجتماعية والدينية. كما نشاهد في الأيام الراهنة أن المرأة قد سبقت الرجل في عديد من مجالات الحياة. فلا نستطيع القول إنها متمتعة بحقوقها مطلقًا في جميع أنحاء البلاد مثلما لا نستطيع أن ندعي بأنها مهضومة الحقوق على الإطلاق. فلها وضع متفاوت فيما بين الطبقات.

الهوامش :

[1] النساج،  سيد حامد، مشوار كتب الرحلة، النسخة الإلكترونية، ص: 133.

[2] نوال السعداوي هي طبيبة وكاتبة وروائية مصرية، ولدت في القاهرة سنة 1930م، وحصلت على البكالوريوس في الطب والجراحة من جامعة القاهرة 1954م، وتخصصت في مجال الأمراض الصدرية. تزوجت مرتين وفي الأخير تزوجت من الدكتور شريف حتاتة قائد التنظيم الشيوعي الماركسي في مصر. شغلت نوال السعداوي العديد من المناصب سوى عملها كطبيبة في المستشفى الجامعي. وأسست جمعية التربية الصحية وجمعية للكاتبات المصريات. وعملت لفترة كرئيس تحرير مجلة الصحة بالقاهرة. أما من أعمالها الأدبية فلها أكثر من أربعين كتابا وكلها تدور حول الفكرة الأساسية للكاتبة وهي المرأة وقضاياها المختلفة وحرية الإنسان وتحرير الوطن. ومن أعمالها الشهيرة :مذكرات طبيبة، المرأة والجنس، أوراقي… حياتي، مذكراتي في سجن النساء، معركة جديدة في قضية المرأة، تعلمت الحب، رحلاتي في العالم، الأنثى هي الأصل. وحصلت نوال السعداوي على العديد من الجوائز الوطنية والدولية.

[3] السعداوي، نوال، رحلاتي في العالم،(القاهرة: مكتبة مدبولي، ط2، 2006م)،ص: 252.

[4] المصدر نفسه، ص: 198.

[5] المصدر نفسه، ص: 189.

[6] الساري هو اللباس التقليدي الشهير في الهند، ويتوفر هذا الملبس بمختلف الأنواع والألوان والأشكال.

[7] المصدر نفسه، ص: 207.

[8] المصدر نفسه، ص: 210 -213.

[9] المصدر نفسه، ص: 224.

[10] المصدر نفسه، ص:  224-225.

[11] السعيد،أمينة، مشاهدات في الهند، (مصر: دار المعارف للطباعة والنشر، ص: 52.

[12] صالح، زكي، رحلة إلى الهند، (بغداد: مطبعة الرابطة، 1950م)،  ص:64. 

[13] السعداوي، نوال، رحلاتي في العالم، ص: 213.

[14] المصدر نفسه، ص: 210.

[15] العبودي، محمد بن ناصر،في جنوب الهند، (الرياض: مطبعة الفرزدق التجارية، 1997م)، ص: 111.

[16] السعداوي، نوال، رحلاتي في العالم، ص:  218.

[17] المصدر نفسه، ص: 219-221.

[18] المصدر نفسه، ص: 219.

[19] المصدر نفسه، ص: 220-221.

[20] المصدر نفسه، ص: 221.

[21] المصدر نفسه، ص: 224.

[22] المصدر نفسه، ص: 235- 239.

[23] المصدر نفسه، ص: 238.

[24] المصدر نفسه، ص: 299.

[25] المصدر نفسه، ص: 201-206.

[26] المصدر نفسه، ص: 307.

[27] السعيد، أمينة، مشاهدات في الهند، ص: 63.

[28] المصدر نفسه، ص: 225.

[29] منصور،أنيس، حول العالم في 200 يوم،(القاهرة: طبعة دار الشروق السادسة، 2007م)، ص: 124.

[30] السعداوي، نوال، رحلاتي في العالم، ص: 227.

[31] المصدر نفسه، ص: 228.

[32] المصدر نفسه، ص: 226.

[33] المصدر نفسه، ص: 229.

[34] المصدر نفسه، ص: 305.

المصادر والمراجع:

  • السعداوي، نوال، رحلاتي في العالم، القاهرة: مكتبة مدبولي، ط2، 2006م.
  • السعيد، أمينة، مشاهدات في الهند، مصر: دار المعارف للطباعة والنشر، 1946م.
  • صالح، زكي، رحلة إلى الهند، بغداد: مطبعة الرابطة، 1950م.
  • العبودي، محمد بن ناصر، في جنوب الهند، من سلسلة الرحلات الهندية، الرياض: مطبعة الفرزدق التجارية،1997م.
  • منصور، أنيس، حول العالم في 200 يوم، القاهرة: دار الشروق، ط6،2007م.
  • النساج، سيد حامد، مشوار كتب الرحلة، مكتبة غريب الفجالة، (النسخة الإلكترونية من المكتبة الإسكندرية).

* أستاذة مساعدة، مركز الدراسات العربية والإفريقية، جامعة جواهر لال نهرو، نيو دلهي، الهند.